فقه الأسرة

ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة وكيفية الاعتذار في الإسلام

انتشار ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة أم مهم للمجتمع ككل، لأن الاعتذار يعني التراجع عن الخطأ والتفكير في كيفية معالجته وإصلاحه، مما ينشأ جيل جديد بأنفس قوية وعقول واعية، تساهم في نهضة المجتمع والأمة، لأن مرفعة كيفية التراجع عن الأخطاء تساهم في تعلم طرق التعامل مع المشاكل.

مما يزيد من سرعة تطور المجتمع، بسبب تفاديه للعديد من السلوكيات الضارة التي تشل حركة التطور والاقتصاد، بسبب تنامي الأخلاق الفاسدة مما يحفز البعض على سلوكيات ضارة تؤدي إلى مشاكل لا حصر لها، وكان يمكن تفادي كل ذلك من خلال تدريب النفوس على الاعتذار وتقبله.

ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة

ثقافة الاعتذار والتسامح
ثقافة الاعتذار والتسامح

الإنسان خطاء بطبعه، وقد تحدث منا بعض الأخطاء التي تستوجب الاعتذار والتراجع عنها، أو إصلاحها في بعض الأحيان، إلا أن الثقافة السائدة في المجتمعات الحالية تعتقد بأن الاعتذار ضعف وقلة حيلة، وأنه لا يعتذر إلا المهزوم، حيث تحولت النقاشات والزيجات والأعمال إلى ساحات حرب، يحاول كل طرف فيها أن يحقق انتصاراً ويحافظ على مكتسباته.

بينما يبقى المهزوم في تلك المعارك يقاسي مرارة الحقد والضغينة، ولذلك يقدم إليك موقع آراء فقهية العديد من المقالات التي تعالج مثل تلك الأفكار وتسعى لنشر ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، مما يسهل عليك فهم تلك المواقف بشكل أعمق والتعامل معها بحكمة أكبر، مما يسهل عليك حياتك ويقربك من ربك.

الاعتذار قوة وليس ضعف

لا يرى الاعتذار ضعفاً إلا ضعيف النفس، ولا تسود الاعتذار في الإسلام إلا عندما يكون المجتمع قوياً، وقد وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلم القوي في حديث فقال: (ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) [أخرجه البخاري ومسلم].

معنى الحديث أن القوي هو الذي يستطيع السيطرة على غضبه وانفعاله، وليس الذي ينفعل ويصرخ ويهاجم أو يهرب من الموقف دون داعي، الشدة في الصبر وليست في الغلبة، ولذلك يعتبر المعتذر المتراجع عن خطأه قوي النفس لأنه تمكن من إخضاع نفسه للاعتراف بالخطأ، وأجبرها على تقديم الاعتذار.

الاعتذار في الإسلام

كدليل على أهمية الاعتذار في الإسلام، فقد ورد في كتاب الله في مواضع عديدة صيغ اعتذار وردت عن الأنبياء والصالحين، ومنها:

  • ما جاء عن سيدنا موسى عليه السلام عندما اعتذر للخضر على اعتراضاته عليه، في قوله تعالى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف – 73].
  • وقد اعتذر بنبي الله نوح من ربه في الآية الكريمة: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود – 47].
  • اعتذار سيدنا آدم وأمنا حواء من الله بعد أن نزلوا إلى الدنيا في قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف – 23].

حديث نبوي عن الاعتذار

وكتأكيد على ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، فقد وصانا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالاعتراف بالخطأ والاعتذار من المتضرر ومحاولة تعويضه في بعض الأحاديث ومنها:

  • حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن طبع ابن آدم حين قال: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ) [أخرجه الترمذي وأحمد].
  • الحديث الذي أكد في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الله يحب العذر حين قال: (…ولَا أحَدَ أحَبُّ إلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ، ومِنْ أجْلِ ذلكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ والمُنْذِرِينَ…) [رواه البخاري].
  • كان الحذر من إيقاع نفسك في موضع الاعتذار من وصايا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في حديث: (جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ، علِّمْني وأوجِزْ، قال: إذا قُمْتَ في صلاتِكَ، فصَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ، ولا تَكَلَّمْ بكلامٍ تعتذِرُ منه، وأجمِعِ اليَأْسَ عمَّا في أيدي النَّاسِ) [رواه الألباني].

تعزيز ثقافة الاعتذار

ثقافة الاعتذار والتسامح
ثقافة الاعتذار والتسامح

إن المنزل هي العالم المصغر للأبناء الذي يتعرفون فيه على ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، لذلك من المهم للوالدين أن يعلما الطفل كيف يقدم ويتقبل الاعتذار ويحترم الآخر، ومن المهارات المهمة التي تعين على الاعتذار:

  • الاعتراف بالخطأ وهو من ركائز الاعتذار الأساسية، لأن معرفة موطن الخطأ هو ما يوضح الطريقة المناسبة للاعتذار.
  • الندم على الخطأ فما الفائدة من الاعتذار عن خطأ لا ترى نفسك فيه مذنباً، سيكون الاعتذار بارداً وقد يؤدي إلى تعميق المشكلة.
  • الحوار البناء الذي يحلل ما حصل ليستنتج منه أسباب المشكلة وطرق علاجها، فلا يعني الاعتذار أنك تعترف بخطأ شخصي فقط بل هو دليل على وجود مشكلة أدت إلى هذا الخطأ.

كيفية الاعتذار إلى الأبناء

إن التركيز على غرس ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، يساعد على تنشئة جيل سوي نفسياً يستطيع أن يتعامل مع مشاكله وحلها بنفسه، ولن يكون ذلك إلا من خلال التعود على محاسبة النفس على الخطأ والتراجع والاعتذار عنه، من خلال مراعاة القواعد التالية:

  • عدم تجاهل الأخطاء في المنزل سواء من الوالدين أو الأبناء، فإذا أخطأ أحد أفراد الأسرة عليه وعلى الجميع الانتباه إلى ذلك الخطأ والتعامل معه.
  • التكلم عن المشاكل ومناقشتها بهدوء، لأن الشياطين يعيش على الظنون التي تبثها في نفوس المتخاصمين، لذلك لا يجب أن يسكت المستضعف أو المظلوم في المنزل.
  • إيجاد صيغ للتعامل في المنزل، وهي إحدى الطرق المفيدة في تجنب المشاكل، مثل تعليم الطفل أن يطرق الباب قبل دخول الغرف، أو أن يستأذن لطلب الأشياء قبل استخدامها.
  • وفي حالة وقوع أحد الوالدين في خطأ عليهما أن يقدما اعتذارً وتفسيراً لكي لا يعتقد الأنباء أن خرق القواعد أمر ممكن أو سهل.

نصائح للاعتذار إلى الأبناء

أهم ما في ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، هي أن تكون شاملة للجميع، بلا تمييز بين أفراد المنزل، لذلك إن وضعت في موضع وجب عليك فيه أن تعتذر لزوجتك أو أبنائك فإليك هذه النصائح:

  • افهم مشاعر الطرف الآخر وضع نفسك مكانه، ماذا لو تم ارتكاب هذا الخطأ ضدك أنت؟ بماذا كنت لتشعر حينها؟.
  • تحمل مسؤولية الخطأ وتقديم التعويض المناسب عنه، يساهم في علاج المشاعر السلبية التي تؤدي إلى الشقاق والنزاع.
  • شرح أسباب حدوث الخطأ ومحاولة علاج الأسباب التي أدت إليه من أهم الخطوات التي يجب أن تلي الاعتذار، حتى يضمن جميع الأطراف عدم تفاقم المشكلة من جديد.
  • التأكيد على عدم حدوث ذلك مرة أخرى أمر مهم، لأنه جزء من تحمل مسؤولية الخطأ، ولأن تكرار نفس الخطأ لنفس الأسباب يعتبر إهانة واستهتار.

تابع المزيد: كيف يعامل الزوج الصالح زوجته

خطوات تقديم الاعتذار

ثقافة الاعتذار والتسامح
ثقافة الاعتذار والتسامح

تقديم الاعتذار فن لا يتقنه الكثير من الناس، لأنه ليس مجد تأسف دون أي تمهديات أو مبررات، حيث يمكن الاعتذار بطرق كثير ومتنوعة على حسب نوع الخطأ وحجم المشكلة، وهذا الفن من أجمل تفاصيل ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، لأنه يسمح لكل فرد بالتعبير عن نفسه، ومن خطوات الاعتذار الآتي:

  1. حدد المشكلة واشرحها بدقة، وابدأ بما حدث قبل وقوع خطئك بلا إطالة، حتى يتمكن المستمع من إدراك ما تتحدث عنه، وهذا لأن بعض النفوس السوية تنسى الإساءة بسرعة.
  2. الاعتراف بشرعية ومبرر مشاعر الطرف المتضرر، والإقرار بحقه عليك، لأن ذلك يعبر عن جديتك في الاعتذار.
  3. التأكيد على أن أسلوبك وردك لم يكن مناسباً، وأنه كان عليك تحمل مسؤولية الموقف بشكل أكبر، فإذا انفعلت على ابنك لأنه غلبك في لعبة، فعليك أن تخبره بأنك بالغت في ردة فعلك.
  4. تحديد موقفك الشخصي من اسائتك للطرف الآخر، وتوضيح مدى استيائك مما فعلت، مما يساعد على إيضاح جديتك في الاعتذار.
  5. اختيار الكلمة المناسبة للاعتذار، سواء كانت الأسف أو طلب المسامحة أو غيرها من طرق تقديم العذر.
  6. وضح بعدها كيف يمكنك أن تغير هذا السلوك في المستقبل لمنع المشكلة من الحدوث مجدداً.

السبب الوحيد الذي يقضي تماماً على ثقافة الاعتذار والتسامح في الأسرة، هو التكبر على الخطأ، وعدم الاعتراف به من الأساس، لأن الكبر من الصفات التي تجعل الإنسان يحتقر غيره، ولذلك حرم الله تبارك وتعالى الجنة على كل متكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى