فقه الأسرة

زواج القاصر وآراء الفقهاء والعلماء فيه

قضية زواج القاصر من أشهر قضايا القرن الواحد والعشرين، فمنذ أن تم التركيز عليها إعلامياً وعبر البرامج الترفيهية مثل المسلسلات والأفلام، بدأت الكثير من المنظمات الحقوقية عبر العالم في الانتباه إلى خطورة تلك المسألة، مما جعلهم يوجهون دول العالم كلها إلى ضرورة محاربة تلك الظاهرة، لمنع استغلال الأطفال جنسياً تحت شعار الزواج، لذلك يجب الانتباه إلى أن زواج الأطفال إن حصل فهو لا يكون إلا لمصلحة ضرورية لا تحصل إلا به، وإلا فتجنبه أولى، لكي تنمو البنت في بيئة طبيعية بدون أعباء ومشاكل تثقل كاهلها في بداية حياتها.

زواج القاصر

زواج القاصر
زواج القاصر

يعتبر هذا الزواج من المسائل الشائكة في الشريعة الإسلامية، حيث تدخل فيها عوامل مجتمعية وقانونية وتنظيمية وبعض الأعراف وطبائع الشعوب، مما يجعلها من المسائل التي تحتاج إلى تمحيص وتفحص وفقه عالي، وإدراك قويم لمقاصد الشريعة الإسلامية.

ويمكنك الاطلاع على كل أحكام الزواج في الإسلام فيمكنك تصفح مقالات موقع آراء فقهية، وسوف تجد موسوعة فقهية واسعة ومليئة بالمواضيع المهمة والضرورية لحياة أي مسلم، ولأن الفقه الإسلامي جزء لا يتجزأ من حياة أي مسلم.

آراء الفقهاء في زواج القاصر

تعددت آراء الفقهاء في موضوع زواج القاصر، فمنهم من أيد وشجع على زواج البنت بمجرد بلوغها، ومنهم من رفض وعارض ذلك ناظراً لمقاصد الشريعة الإسلامية، حتى أنهم اختلفوا في البلوغ هل هو من شروط الزواج أو لا، ومن أراء الفقهاء في تزويج القاصرات الآتي:

آراء المؤيدين لزواج الصغار

بنى المؤيدون لزواج القاصر رأيهم على أن الزواج درء للمفاسد التي قد تعرض للفتاة بعد بلوغها، مثل الوقوع في الفواحش والانشغال بما لا يرضي الله، لكن الزواج سوف يحملها المسؤولية اللازمة لكي تكون إنسانة مسؤولة في المجتمع وتقوم بدورها الذي خلقت له، واستدلوا على كلامهم بالقرآن والسنة والإجماع وعمل الصحابة رضوان الله عليهم كالتالي:

  • من كتاب الله تبارك وتعالى قوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق – 4].
  • زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة وهي بنت تسع سنوات.
  • إجماع فقهاء الأمة الإسلامية من السلف والخلف على جواز زواج المرأة حال بلوغها.
  • لم يرد عن الصحابة رضوان الله عليهم أن أنكر فيهم احد زواج البنت الصغيرة إذا بلغت.

آراء المعارضين لزواج الأطفال

يرى أصحاب الفريق المعارض لزواج القاصر حتى لو بلغت، أن البلوغ وحده ليس كافياً لتزويج الفتاة، ونوهوا إلى وجود اعتبارات أخرى منها النضج الفكري والاجتماعي والقدرة على تحمل عملية الجماع والحمل والإرضاع، ومن أدلتهم:

  • قوله تعالى في الآية الكريمة: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء – 6]، دلت الآية الكريمة على وجوب اختبار رشد القاصرات إذا بلغوا سن النكاح، قبل أن يعيد وليها مالها إليها، وهذا في المال فما الحال في الزواج.
  • ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن: (خطب أبو بكرٍ وعمرُ رضِيَ اللهُ عنهما فاطمةَ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنها صغيرةٌ، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه) [أخرجه النسائي]، دل هذا الحديث على أن زواج البنت لا يكون بمجرد بلوغها.
  • استدلوا بالعقل أيضاً فقالوا أن الغاية من التشريع هو جلب المصلحة ودرء المفسدة، وتحديد سن الرشد للزواج بشكل يتوافق مع معايير المجتمع وثقافته أمر يحقق المصلحة للزوج والزوجة.

ضوابط زواج البنات دون السن

زواج القاصر
زواج القاصر

من أجل تحقيق المصالح ودرء المفاسد في زواج القاصر، وضع الفقهاء مجموعة من الضوابط التي يجب أن تتبع عند تزويج فتاة بمجرد بلوغها، ومن تلك الضوابط التي تحكم زواج الصغيرة:

مسؤولية الولي

لا يتم تزويج القاصر إلا عن طريق والدها فقط، ولا يجوز ذلك لغير الأب على مذهب الجمهور، أما إذا كانت يتيمة فيمكن تزويجها بإذنها إذا بلغت سن رشدها، أما غير ذلك فهو عقد مفسوخ.

تحقيق مصلحة

أن يكون ذلك الزواج فيه مصلحة للبنت، كأن يزوجها أبوها لرجل صالح أو لشاب يتيم صالح، أما غير ذلك فلا يجوز للولي أن يزوجها بغير سبب مقنع، ولا يجوز أن تسلم إلى زوجها إلا عندما تبلغ سن الوطء، ولا علاقة بين البلوغ والوطء بل ينتظر الولي حتى يكون جسد ابنته وعقلها مستوعباً للأمر.

تحقيق بعض الشروط

ولأجل ضمان المصلحة اشترط الفقهاء مجموعة من الشروط التي إن حصلت يجوز معها تزويج الصغيرة وإن انتفت فلا يجوز، بل يجب التفريق بين الزوجين في تلك الحالة، ومن أهم تلك الشروط:

  • ألا يكون هنالك عداوة واضحة بين البنت وأبوها، لأن هذا قد يؤدي إلى تزويجها بشخص لا يتقي الله فيها بغية الانتقام.
  • أن يكون زوجها رجلاً مشهوداً له بالصلاح، وليس بينهما ضغينة أو عداوة واضحة، حتى لا يضرها.
  • أن يكون الزوج مناسباً لها ولا ضرر في زواجها منه، فلا يجوز تزويجها من كهل ولا من شخص تغلب عليه شهوته حتى لا يؤذيها.
  • أن يمهرها ويتزوجها كما يتزوج غيرها من النساء، ولا يبخسها حقوقها ويعاملها وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.

ما الفرق بين العقد والدخول؟

عند سماع كلمة زواج القاصر، فأول ما يتبادر إلى الذهن أن رجلاً يلاطف فتاة صغيرة بشكل حميمي، وهذا التصور غير صحيح ومرفوض في الشريعة الإسلامية، أما المقصود بزواج الطفلة إنما هو العقد عليها، والنقاش فيه على صحة العقد من عدمها، وليس الدخول بالصغيرة.

فلا يجوز الدخول بمن دون البلوغ بأي حال، ولا يعتد بالبلوغ كدليل على إمكانية جماعها، بل ينتظر وليها اكتمال رشدها ونموها العقلي والذهني والنفسي، وقدرتها على إدراك مسؤولياتها الاجتماعية قبل أن يسلمها لزوجها، أي أنها لا تخرج من بيت أبيها حتى تقدر على تلبية متطلبات زوجها.

تابع المزيد: موانع الزواج في الإسلام

منع زواج القاصرات

زواج القاصر
زواج القاصر

معظم دول العالم لا تسمح قانونياً وتنظيمياً بتزويج القاصرات، حيث يتراوح السن القانوني للزواج في جميع دول العالم، بين 15 إلى 18 عام فما فوق، لذلك فزواج القاصرات مجرم قانونياً ولا يمكن توثيقه بشكل حكومي، مما يعطل أي إجراءات بخصوص تسجيل المواليد أو إقرار الحقوق والواجبات القانونية.

وهذا يعني أن تزويج القاصر يمكن أن يكون ظلماً لها وبخساً لحقوقها في زمن صارت كل معاملة فيه مسجلة وموثقة وتخضع لرقابة وتنظيم جهات رقابية وقضائية، وبالتالي يجب انتظار بلوغ البنت للسن القانونية، لكي لا تعرض نفسك وابنتك إلى العقوبة المجتمعية أو الملاحقة القضائية.

فلولا تدبرنا الأمر قليلاً لوجدنا أن المقصد من إباحة زواج البنت الصغيرة في الإسلام هو إيجاد أسرة ومنزل لمن لا بيت لها، أو حماية جيل من العيش في الشوارع والطرقات، لذلك فهي حالة استثنائية لا يجوز تعميمها بأي شكل من الأشكال.

زواج القاصر ليس للمتعة والمداعبة، لكنه يكون بغرض تزويج تيمية لا أحد لها في الدنياً إلى من يرعاها ويكون لها الأب والزوج، أول لمصلحة لا تتحقق إلا بحصوله، لكنه ليس عرفاً يجب الأخذ به أو التفكير فيه كبديل للزواج بالمرأة الراشدة البالغة التي تعرف كيف تدير شؤونها وتتحمل أعباء الزواج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى