الوقوف على أحكام الاعتكاف وفق ما ورد في كتاب الله وبلغ عن سنة الرسول (ص) يهدف إلى التعريف بالشروط والأدلة والمبطلات وأفضل الممارسات الممكنة ما من شأنه إذكاء النفس وإحياء القلب، حيث اختلفت المذاهب في تعريف الاعتكاف لفظا واصطلاحا كما اختلفت في تحديد درجة الوجوب والتكليف والفضل العائد منه وبشكل عام تتسع أبواب الأحكام المتصلة بهذا المبحث لتشمل شروط صحة الاعتكاف وأركانه والخروج من المسجد ومفسدات الاعتكاف وما يشرع للمعتكف ويباح له وما ينهى عنه كما تطرقت الأحكام لتشمل توضيح موقف المرأة من ممارسة هذه العبادة مع تفنيد الحالات والأحكام المتصلة بها.
أحكام الاعتكاف
الاعتكاف هو مصدر خماسي مشتق من الفعل “عكف”، والذي يعني الحبس أو المنع، وفي اصطلاح الفقهاء، يقصد به لزوم المسلم المسجد لأداء العبادة وطاعة الله، وفقًا للمذهب الحنفي، يُعرف الاعتكاف بأنه البقاء في المسجد مع الصوم والنية الخاصة بالاعتكاف، أما في المذهب المالكي، فيعرف بأنه لزوم المسلم المميز لمسجد مباح، مع الصوم والابتعاد عن الجماع وكل مقدماته، لمدة يوم وليلة أو أكثر، بنية التقرب إلى الله من خلال العبادة.
تقول الشافعية في الاعتكاف هو اللبث في المسجد من شخص شخص مخصوص بنية، وتقول الحنابلة في الاعتكاف، هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة عاقلا ولو مميزا طاهر ولو مميزا مما وجب الاغتسال، “صفة مخصوصة” تشير إلى شروط معينة يجب توفرها في الشخص اللازم للمسجد، “عاقل ولو مميزاً” يعني أن يكون الشخص مدرك لأفعاله، سواء كان بالغ عاقل أو صغير مميز “يفهم معنى العبادة”.
يرتبط مفهوم الاعتكاف بتوقيت العشر الأواخر من رمضان، وقد بلغ عن الرسول (ص) أنه كان يهجر الدنيا ويعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، والاعتكاف سنة لا تجب على الناس فرضا، إلا أن يوجبه المرء على نفسه، فتجب عليه، ولم يرد في فضل الاعتكاف من شيء من الأحاديث الثابتة عن الرسول (ص).
حكم اعتكاف المرأة
اختلف الفقهاء في بيان حكم اعتكاف المرأة إلى قولين، القول الأول، هو أن المرأة يسن لها الاعتكاف كالرجل، ويقول به جمهور أهل العلم، والرأي الثاني، هو كراهة اعتكاف المرأة، ويقول به نفر من الحنابلة، والراجح عند أهل العلم ضمن أحكام الاعتكاف، هو ترجيح اعتكاف المرأة، حيث تساوى الرجل والمرأة في التكاليف والواجبات، ما يثبت حقها في ممارسة الاعتكاف في المسجد، وذلك شريطة الحصول على إذن الزوج.
حكم الاعتكاف في غير رمضان والعشر الأواخر
يختلف الفقهاء في حكم الاعتكاف في غير شهر رمضان وفي غير العشر الأواخر إلى قولين، الأول يرى أن الاعتكاف سنة مؤكدة، وهو رأي جمهور العلماء، أما القول الثاني فيرى أن الاعتكاف سنة في رمضان وجائز في غيره، وهو رأي المالكية وبعض من أهل العلم، الذين يرون أن الاعتكاف سنة في العشر الأواخر من رمضان وجائز في غيرها.
وهناك قسمان من الاعتكاف هو الاعتكاف المسنون والاعتكاف الواجب، والمسنون هو الأصل، حيث لا يفرض الاعتكاف إلا نذرا، والواجب هو النذر، فمن نذر الاعتكاف في أمر فقد أوجبه على نفسه ولا يحل تركه أو تجاهله.
زمن الاعتكاف أقله وأكثره
اختلف العلماء في زمن الاعتكاف وانقسمت آرائهم إلى أقوال عدة:
- يرى القول الأول أن حده الأدنى يوم، وهو رواية أبي حنيفة وبعض المالكية ووجه عند الشافعية.
- القول الثاني، يرى أن حده الأدنى يوم وليلة، وهو مذهب المالكية.
- كما أن القول الثالث يرى أن الحد الأدنى للاعتكاف هو عشرة أيام وهو رواية منقولة عن الإمام مالك.
- القول الرابع، هو أن أقل مدته لحظة، وهو رأي الجمهور عند العلماء.
يقول إبن حزم في استدلال لحظية الإعتكاف ” هو في لغة العرب الإقامة، فكل إقامة في بنية التقرب إلى الله اعتكاف مما قل من الزمن أو كثر إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من من الأيام ولا وقتا من السنة”، والراجح في الفقه ضمن أحكام الاعتكاف، أن أقل الاعتكاف هو يوم وليلة، وإن لم يرد فيه نص أو اختلف الصحابة في فعله، وهو لا يشمل النذر المحدد بوقت، فمن نذر معدود من أيام فعليه قضاؤها، فمن نذر ثلاث فوجب عليه قضاؤها، ومن نذر خمس عليه قضاؤها.
أما أكثر الاعتكاف فلا حد له ما لم يتضمن محذورا شرعيا، وتتضمن المحاذير الشرعية مباشرة الزوجة ونزول المني والحيض وغيرها من المبطلات، والزمن المؤكد للاعتكاف هو العشر الأواخر من رمضان، وهو في المذهب الحنفي، سنة مؤكدة على الكفاية، إذا قام بها بعض المسلمين سقط التكليف عن الآخرين وإذا وظبوا على تركها بغير عذر أثموا جميعا.
أهم شروط الاعتكاف وأركانه
تطرق أحكام الاعتكاف إلى دراسة عدد من الشروط لإقرار الصحيح من الفعل، منها:
- الإسلام.
- شرط العقل.
- كذلك شرط التمييز.
- شروط النية.
- الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة.
- شرط الصوم.
- شرط المسجد.
يحدد شرط الإسلام في البداية من يقع عليه الأمر، فلا يصح الاعتكاف لكافر أو مرتد، حيث أن كلاهما ليس من أهل المسجد، ويضع شرط العقل المواصفات الذهنية قيد الوصف، فلا يصح الاعتكاف من مجنون ولا سكران ولا مغمي عليه، حيث يسقط التكليف في الأساس عن الأول والثاني ليس من أهل العبادة ولا يصح لهم دخول المسجد.
ويوضح شرط التمييز أن المميز ” غير البالغ المدرك لأفعاله” هو من له الحق في الاعتكاف، بينما غير المميز لا يصح منه، نظرا لسقوط التكليف من الأساس، وفي هذا إجماع من الأئمة، حيث أن النية ضرورة لتعدد غرض الإقامة في المسجد، حيث أن المكوث في المسجد قد يكون لأغراض عدة، فلابد من التمييز بين أنواع العبادة، وفيه يقول ابن هبيرة “واتفقوا أنه لا يصح إلا بنية”، ويقول ابن رشد ” اما النية فلا أعلم فيها اختلافا”.
الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة
اختلف العلماء في أحكام الاعتكاف للحائض والنفساء والجنب إلى قولين:
- القول الأول، الحرمة وعدم الصحة، وهو قول الجمهور، لكن ذهب أصحاب المذهب الحنفي إلى، ان الطهارة من الحيض والنفاس شرط الصحة في الاعتكاف الواجب لاشتراط الصوم معه، أما التطوع فلا يشترط طهارة الحيض أو النفاس.
- القول الثاني، هو صحة اعتكاف غير الطاهر من الحائض والنفساء والجنب في المسجد وهو قول المذهب الظاهري.
الراجح عند العلماء هو اشتراط الطهارة لتحقيق شرط اللبوث في المسجد، ويجيز المذهب الحنبلي للجنب اللبوث في المسجد بعد الوضوء، والمستحاضة ونحوها ممن حدثه دائم يصح اعتكافه في المسجد باتفاق الأئمة، شريطة عدم تلويث المسجد “استخدام أدوات الوقاية والعناية الشخصية”.
تابع المزيد: الشروط الفقهية للعبادات
الصوم والاعتكاف في المسجد
أختلف الفقهاء في قرن الصوم بالاعتكاف، ضمن أحكام الاعتكاف، إلى أقوال عدة، منها:
- عدم شرط الصوم لصحة الاعتكاف وقال به المالكية وابن حزم والحنابلة والشافعية.
- الصوم شرط لصحة الاعتكاف دون التطوع، وهو ما قال به المذهب الحنفي.
- كما أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف مطلقا، وقال به بعض الشافعية وهو رواية عن أحمد نقلها ابن القيم.
- الراجح عند العلماء هو عدم تطابق شرط الصوم مع شروط صحة الاعتكاف.
تتعدد أحكام الاعتكاف ضمن الإجتهادات الفقهيه المستندة إلى تفسير الكتاب وتحليل السنة النوية للإستدلال على الأراء المبينة للأحكام المرتبطة بمستوى التكليف والشروط الواجب تطبيقها والمبطلات المنهي عنها ما يضمن الأداء الصحيح للعبادة والممارسة.
