مفهوم السوق في الفقه الإسلامي
دعونا نتحدث اليوم عن مفهوم السوق في الفقه الإسلامي، حيث أنه السوق هو المكان الذي يتم ممارسة عمليات البيع والشراء وتبادل السلع فيه، وفي ذلك السوق يسعى كل شخص إلى تحقيق الأرباح بناءاً على موقعه، سواء كان بائع وشاري، كما أن الوقت يلعب دور مهم جداً لأن هذه العمليات يمكن أن لا تتم في الحال، ويمكن أن تحدث أثناء التغيرات بالأسعار التي يمكن أن تكون سبب في حدوث نزاعات وخلافات، ومن خلال مقالنا هذا سوف نوضح دور السوق وكل محدداته بالفقه الإسلامي عن طريق ما حثت إليه الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.
مفهوم السوق في الفقه الإسلامي
من خلال السطور التالية سوف نوضح مفهوم السوق في الفقه الإسلامي بالتفصيل من خلال الأيام القرآنية والأحاديث النبوية:
مقومات السوق
يمتلك السوق مقومات رئيسية وهما الزمان والمكان والسلع والخدمات وطرق الدفع، إضافة إلى البائعين والمشترين وأدوات القياس والقائم على السوق، ومن خلال السطور التالية سوف نشرح كل من تلك المقومات بشكل تفصيلي:
المكان
المكان يعتبر البقعة الأرضية التي تجتمع فيها كل المقومات المذكورة، ويمكن أن يتبدل مفهومه اتساع وضيق، بعد وقرب، على حسب طبيعة الأعمال المنوطة، حيث أن شبكة الإنترنت تعتبر سوق إلكتروني يسعى إلى الحصول على البيانات والخدمات من كل أنحاء العالم.
كما أن البورصة تعتبر سوق لكل الأموال سواء كانت الأسهم أو السلع المتخصصة أو المعادن الثمينة أو العملات أو غيرها، حيث أنه في ذلك السوق يمكن بيع السلع والبضائع بالجملة والمفرق المنتشرة في كل بلاد العالم بكل أنواعها المختلفة، فقط كان الخلفاء يكثرون من التجول في الأسواق يقومون ومراقبتها بشكل دائم بسبب أهميتها ودورها بالنشاط الاقتصادي، حيث أن الأسواق تعتبر مثل الرئة في الجسم فإنها مؤشر مهم جداً وحيوي يؤثر على صحة الحياة الاقتصادية، فقط قال الله سبحانه وتعالى “وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق” وقال “وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق” كما أن القرطبي ذكر بتفسيره بأن دخول الأسواق متاح للتجارة وطلب المعيشة.
الزمان
في سياق الحديث عن مفهوم السوق في الفقه الإسلامي يجب التحدث عن الزمان، حيث أنه الوقت الذي يتم ممارسة فيه الأعمال بالأسواق، فيجب تحديد زمان معين يجتمع في خلاله الأشخاص لكي يمارسوا الأعمال الخاصة بهم من بيع وشراء وتبادل وتسديد، فيمكن أن يكون التسليم في نفس الوقت والتسديد في وقت لاحق أو يمكن أن يكون التسليم مؤجل والتسديد في الوقت الحالي، حيث يمكن أن تنشأ نزاعات بين الأطراف بسبب الفروقات الزمنية في التسديد أو التسليم أو الاستلام.
أقرأ المزيد: دور القرآن والسنة في تحديد أحكام المعاملات
السلع والخدمات
السلع والخدمات هي كل ما يتاجر به الأشخاص في كل المجالات، ويلزم أن تكون حلال غير محرمة لا بطبيعتها ولا بتعاملها، إضافة إلى أهمية تأمين حرية انتقالها ووصولها للأسواق وحماية كل أشكال حيازتها وملكها، ومن هذا يتم تراضي كل الأطراف المتبادلة بدون صعوبات، حيث أن البيعان بالخيار ما لم يتفرق {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
طرق الدفع
في سياق الحديث عن مفهوم السوق في الفقه الإسلامي، سوف نتعرف على طرق الدفع وهي عبارة عن طرق تداول قيم الخدمات والسلع بين المشترين والبائعين، كما أنه تم الإطلاق عليها بالأثمان من الدراهم والدنانير والفلوس، إضافة إلى ذلك، الإقراض وآلية التداين، ويجب الإشارة إلى العملات الاسمية التي كان يستخدمها الفقهاء التي منها الدراهم السوداء والدينار الجيشي، حيث أنها اليوم تقابل حقوق السحب الخاصة.
أدوات القياس
كان السوق في الفقه الإسلامي يستعمل أدوات القياس التي منها عن الأوزان والموازين والمقاييس والمكاييل وغيرها العديد، حيث أن فقه المعاملات اهتم بشكل كبير بدقتها وعدالتها فتم ضبط المثمنات التي منها الموزونات والمقيسات والمكيلات، إضافة إلى الأثمان من الدراهم والدنانير والفلوس، والأسعار السلعية والنقدية ووضع أسس تكون عادلة لكي يتم استمرار التوازن بين الطلب والعرض، إضافة إلى الدور الذي يقوم به المناخ الاجتماعي المناسب الذي تربى عليه المسلم من وقت نعومة أظافره.
البائعون والمبتاعون (المشترين)
يعتبر البائع والمبتاع عماد السوق، وذلك سواء كانوا مستهلكين أو تجار، وعندما تكون غاية المسلم هي عبادة الله سبحانه وتعالى فسوف يكون للسوق أخلاق على مريديه التخلق بها، إضافة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لم يكن فاحش ولا متفحش ولا صخاب بالأسواق ولا كان يجزي السيئة بالسيئة ولكن كان يعفو ويصفح.
إضافة إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام حث كل رواد السوق على استغلال ذلك العمل بنية ذكر الله تعالى سبحانه وتعالى وتعبده، فقط قال صلى الله عليه وسلم (من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة).
صفات رواد السوق في الفقه الإسلامي
كما أن الشرع الإسلامي وجب على رواد السوق في الفقه الإسلامي آداب وصفات وأخلاق يجب عليهم التحلي بها وتتمثل تلك الصفات في ما يلي:
الصدق، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء).
الأمانة، حيث أنها تكون عكس الخيانة، فقد قال الله سبحانه وتعالى {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} كما أن الله سبحانه وتعالى أيضاً قال {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي (يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما). ومن المعروف أن الأمانة والثقة المتبادلة بين معاشر التجار تعتبر أساس وعماد التجارة، إذا إنتشرت الخيانة أحجم التجار عن التداول فيما بعضهم أو قللو العمل إلى أدنى الدرجات، وذلك ما يؤثر على السيولة المالية بالسوق، وسوف يشيع التعامل بشكل نقدي على غيره من الأنواع وسوف تكثر الخلافات وفي الغالب يتم ضياع الحقوق وتتخلخل الحياة الاقتصادية في كل المجتمع.
أقرأ المزيد:ما هي أحكام الهبة والوصية
الإفصاح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا فعسى أن يربح ربحا ويمحق بركة بيعهما” ومحق البركة يمكن أن يكون من خلال ضياع الربح أو رأس المال أو كل منها معاً أو يمكن أن يصاب صاحبهما بداء أو مرض يذهب بما لديه.
النصح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الدين النصيحة”، حيث أنه من خلال النصح تخطى الإسلام ما وصلت له كل الأمم في أدبياتها المحاسبية، وذلك لأن النصيحة تعني تخطي حد الإفصاح ويقصد به أن لا يتم إخفاء معلومات من الممكن أن تكون سبب في اتخاذ قرارات خاطئة، حيث أنه يجب على المسلم أن يقوم بإبداء النصح، ويكون في ذلك الأمر دعم للسلوك الفردي من خلال إبداء رأيه في صورة اقتراحات وهذه تعد من أعلى درجات الأفصاح.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا والذي من خلاله تم التعرف على مفهوم السوق في الفقه الإسلامي.