الزكاة تعتبر أحد أهم أركان الإسلام وذلك لثوابها العظيم عند الله سبحانه وتعالى، ومنفعتها العامة التي تعود على المجتمع بالخير والنماء، ولذلك فمن الواجب على كل مسلم التعرف على أحكامها ومعرفة نصابها، ولبيان أحكام الزكاة في فقه المعاملات يجب أن تتعرف على أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة أو ما يسمى بالنصاب الشرعي، وما هي شروط إخراجها؟ ومتى يجب إخراجها؟ وعلى من تجب الزكاة؟ ومن هم مستحقيها؟ وما هو ثوابها عند الله جل وعلا؟ وكل تلك التفاصيل التي ستعينك على فهم فريضة الزكاة وكيفية أدائها كما أمر الله سبحانه وتعالى بها.
تعريف الزكاة في فقه المعاملات
الزكاة عند علماء اللغة معناها: الزيادة والنماء وهي مصدر من زكا وزكاء، ويقال فاكهة زكية أي كثيرة وكبيرة الحجم، ويشار إلى الرائحة الجميلة بكلمة زكية، دلالة على كثافتها وثابتها وجمال رائحتها، لذلك فمصطلح الزكاة يدل على النمو والوفرة وهذا لأن الله تبارك وتعالى يبارك في مال مخرج الزكاة ويعظم له أجره عليها يوم القيامة.
أما تعريف الزكاة في فقه المعاملات في اصطلاح الفقهاء فهي: حصة من مال الغني المقتدر – فرضها الله تبارك وتعالى عليه – يقطعها من ماله ويهبها للفقراء والمستحقين وفق الشروط والأحكام التي أمر بها المولى عز وجل، وهذا حفظًا للتوازن المادي والاقتصادي في المجتمع، وصيانة لكرامة الفقراء والمحتاجين.
اقرأ أيضًا: الزكاة في المال والأنواع
مصارف الزكاة في القرآن
أمر الله جل وعلا بإخراج الزكاة لتكون معونة للمحتاجين، وقد قسم الله جل وعلا الزكاة في فقه المعاملات لأصناف بينها لنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز على ثمانية أصناف جمعهم في الآية الكريمة:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة -60]
وتفصيل المستحقين للزكاة عند الله في الآية الكريمة كالتالي:
- الفقراء وهم الذين ليس لهم دخل ولا مدخرات.
- المساكين، أي الذين يعملون ولهم دخل خاص بهم لكنه لا يكفيهم ولا يسد حاجاتهم.
- العاملون عليها أي المسؤولين عن جمعها وحراستها وتوزيعها.
- المؤلفة قلوبهم: حديثي العهد بالإسلام، وقد وقف هذا السهم بعد انتشار الإسلام.
- في الرقاب وهم العبيد المسلمون الذين يعلمون لنيل حريتهم، وقد سقط هذا السهم بعد أن اختفت تجارة العبيد.
- الغارمون وهم المدينون الغير قادرين على السداد.
- في سبيل الله أي للمنافع العامة للمسلمين كالمشاريع الخيرية وغيرها.
- ابن السبيل وهو المغترب الذي لا يملك ما يعود به إلى وطنه.
شروط وجوب الزكاة
لكي تجب الزكاة في فقه المعاملات على مخرجها يجب أن تتوفر فيها عدة شروط، حيث إن الزكاة تخرج من الغني القادر على الإنفاق وهي مطهرة لماله وسبب من أسباب البركة وسعة الرزق وتلك الشروط كالتالي:
- أن يكون مالكًا للمال ملكًا تامًا أي لا ينازعه في ملكه أو إرادته أي مانع، فلا تجوز من العبد أو السفيه أو المحجور عليه أو الفقير.
- النماء بمعنى استمرار دورة رأس المال، ولا يجب أن يتحقق هذا الشرط عمليًا بل يكفي ان يكون المخرج للزكاة قادرًا عليه، كأن يكون المال هو مقدار من الذهب مثلًا.
- بلوغ نصاب المال الذي تجب فيه الزكاة وهذا الشرط يحدده صنف المال الذي يملكه مخرج الزكاة.
- مضي الحول وهو مرور سنة قمرية كاملة على صاحب المال وهو بحوزته، ويخرجها في آخر يوم في العام الهجري.
اقرأ أيضًا: ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة وما هو حد النصاب
أصناف أموال الزكاة
مفهوم المال في الشريعة الإسلامية هو كل ما يمتلك، فيطلق المال على الأملاك والبضائع والنفائس وغيرها… حيث قدر الله تبارك وتعالى لكل صنف من هذه الأصناف شكلًا من أشكال الزكاة يتناسب مع طبيعيته، لذلك فقد تعددت أصناف أموال الزكاة إلى عدة أصناف منها الآتي:
النقود والمدخرات
هي الزكاة في فقه المعاملات التي يخرجها عن مقدار معين من الأوراق النقدية أو الحسابات البنكية أو المدخرات وغيرها، ونصابها هو أن تكون قيمتها تساوي سعر 85 جرام دهب واحد وعشرين، ويخرج منها ما نسبته 2.5% من قيمة المبلغ كامل.
المعادن
يقصد بها زكاة الذهب والفضة والنفائس، ونصابها في الذهب ما قيمته 85 جرامًا عيار واحد وعشرين يخرج منه 2.5%، وفي الفضة يكون النصاب ما قيمته 595 جرام من الفضة النقية ويخرج عنه نفس النسبة تقريبًا.
الزروع والثمار
تعني الزكاة في فقه المعاملات التي يخرجها المزارع عن محصوله ويسقط فيها شرط الحول، فتجب عند الحصاد وتجب في الأقوات المخزنة كالأرز والشعير وفي الفاكهة تجب في التمر والعنب فقط.
ونصابها المقدر خمسة أوساق، أو ما يعادل 612 كجم على إجماع الفقهاء، ويخرج منها 10% إذا كانت تسقى بالمطر فقط، و5% إذا كانت تسقى بالجهد والكلفة أي بأنظمة الري البشرية، و7.5% إذا كان نصفها يروى بالمطر ونصفها بالجهد البشري.
زكاة عروض التجارة
المراد بالزكاة في فقه المعاملات في هذه الحالة البضائع وأموال التجارة، وهي البضاعة والمدخرات الداخلة في أعمال تجارية، ولها شروط خاصة كالتالي:
- أن يكون المال مكتسبًا بالمعاوضة عن طريق البيع والشراء.
- أن يمتلك المال بغرض البيع والتجارة فيه.
- أن ينوي من وراء البيع الربح والتجارة.
- ينتظر المزكي حلول الحول ويحسب ما لديه من مال وفق المعادلة التالية:
- نصاب الزكاة = قيمة البضائع المخزنة بسعر البيع + السيولة المالية سواء مدخرة أو بالنبك + الديون المنتظر سدادها من الغير – الديون التي على مخرج الزكاة × نسبة إخراج الزكاة 2.5%.
زكاة البهائم
تعني الزكاة في فقه المعاملات التي يخرجها مربوا الماشية، وهي تخرج في الإبل والبقر والغنم وفق إجماع علماء الشريعة الإسلامية، وقد اختلفوا في الخيل والبغال والحمير ولكنهم أقروا ألا زكاة فيهم إذا لم يكونوا معدين للتجارة.
بينما اشترط العلماء في زكاة البهائم شرطين إضافيين وهما:
- أن تكون البهيمة سائمة وهي التي ترعى في الحقول وتأكل من نبات الأرض فإن كانت معقولة في مكانها فلا تجب الزكاة فيها.
- كما يجب ألا تكون البهيمة عاملة أو مخصصة للحمولة أو الحرث أو الركوب وتخرج الزكاة فقط عن التي تربى لألبنها أو للحومها.
- وقد حدد علماء الشريعة نصابها وفقاً لعدد البهائم ونوعها، ولذلك يكون تحديد نصابها وفق حال مالكها.
اقرأ أيضًا: الشروط الفقهية للعبادات
ثواب الزكاة عند الله
أعد الله تبارك وتعالى لمن التزم بفريضة الزكاة في فقه المعاملات أجورًا عظيمة في الدنيا والآخرة وتلك الثوابات لها تجليات في حياة المسلم على مستوى الفرد والمجتمع ومنها التالي:
- تطهير المال وزيادة البركة والوفرة والحماية من الحقد المجتمعي بين الطبقات.
- غفران الذنوب والآثام ومحو آثارها من قلب المؤمن.
- تدريب المسلمين على البذل والكرم وتشجيع الترابط المجتمعي وتعزيز إحساس الشعور بالآخر.
- تحرير من يأخذ الزكاة من ذل المسألة ومرارة الحاجة.
- تعين الزكاة الفقراء على سد حاجتهم المادية فتؤدي إلى تقليل نسب الإقبال على الجريمة بدافع المال.
الزكاة فريضة الهدف منها طاعة الله جل وعلا وسد حاجة الفقراء والمساكين، ومحاربة الشح والبخل والتوحش المادي، حيث إنها ضمان اجتماعي باستمرار قدرة كل فرد من أفراد المجتمع على الشراء وبالتالي استدامة دورة رأس المال بالشكل الذي يضمن النماء والاستقرار لجميع أفراد المجتمع، مما يبرز أهمية نشر الوعي الكافي بكل ما يتعلق بأحكام تلك الفريضة والحرص على أدائها على أكمل وجه.