العدة هي فترة زمنية تحددها الشريعة الإسلامية للمرأة بعد وفاة زوجها، أو بعد الطلاق، وفي حالة الوفاة فإن العدة هي أربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك وفقًا لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ (البقرة: 234).
العدة بعد الوفاة
للعدة حكمة بالغة، من أهمها براءة الرحم، أي التأكد من عدم وجود حمل حتى لا يلتبس النسب، بالإضافة إلى الإحسان إلى الميت وحماية المرأة من الزواج السريع وإعطائها فرصة للتفكير والتأني.
بينما تأتي أحكام العدة متمثلة في:
- مدة العدة هي أربعة أشهر وعشرة أيام كاملة، سواء كانت المرأة حائضًا أم لا، كبيرة أم صغيرة.
- الحمل، إذا كانت المرأة حاملًا فإن عدتها تنتهي بولادة الجنين.
- الإحرام، على المرأة في العدة أن تتجنب الزينة والتباهي، وأن ترتدي ملابس سواداء في الغالب.
- لا يجوز للمرأة أن تتزوج خلال فترة العدة.
اقرأ أيضًا: أحكام النسب في الإسلام
أنواع المعتدات
هناك بعض أنواع العدة بعد الوفاة وهم ستة:
- الحامل.
- المتوفى عنها زوجها.
- ذات الأقراء المفارقة في الحياة.
- من لم تحض لصغر وكانت المفارقة في الحياة.
- من ارتفع حيضها.
- امرأة المفقود.
فيما يلي نشير تفاصيل الأمر بالشكل التالي:
عدة الحامل
تكون بسبب الموت أو الطلاق، وتنتهي بوضع الحمل اتفاق لقوله تعالى: ﴿وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وهذا معناه انقضاء مدة الحمل، ولأن براءة الرحم لا تحصل في الحامل كما هو واضح إلا بوضع الحمل، فإذا كانت المرأة حامل ثم طلقت أو مات عنها زوجها انتهت عدتها بوضع الحمل، ولو بعد الوفاة بمدة قليلة.
قال الإمام البخاري: حدثنا سعد بن حفص وشيبان عن يحيى قَال: أخبرني أبو سلمة قَال: لقد جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده فقال: أفْتِنِي في امْرَأَةٍ ولَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بأَرْبَعِينَ لَيْلَةً؟ فَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأجَلَيْنِ، قُلتُ أنَا: {وَأُولَاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، قالَ أبو هُرَيْرَةَ: أنَا مع ابْنِ أخِي – يَعْنِي أبَا سَلَمَةَ – فأرْسَلَ ابنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إلى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةِ وهي حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فأنْكَحَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ أبو السَّنَابِلِ فِيمَن خَطَبَهَا.
اقرأ أيضًا: أحكام الطهارة في فقه الشافعية
عدة المتوفى عنها زوجها
في إطار معرفة أحكام العدة بعد الوفاة أشرنا أن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حامل فتنتهي عدتها بوضع الحمل، ولو كانت الولادة بعد الوفاة بمدة قريبة أو بعيدة، أما إذا كانت حائل غير حامل كانت عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها من تاريخ الوفاة وهذا لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ (البقرة: 234).
حساب العدة بعد الوفاة
من المقرر شرعا أن حساب العدة بعد الوفاة للزوجة التي يتوفى عنها زوجها بعقد صحيح، ولم تكن حامل، يجب عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، سواء أكانت الزوجة مدخول بها أم لم تكن مدخول بها وسواء أكانت من ذوات الحيض أم لم تكن.
لقد قال الإمام النووي في روضة الطالبين: [إذا مات زوجها، لزمها عدة الوفاة؛ بالنصوص والإجماع، فإن كانت حائل، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها، وسوف يستوي فيها الصغيرة والكبيرة، وذات الأقراء وغيرها، والمدخول بها وغيرها، وزوجة الصبي والممسوح وغيرهما، وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن].
إذا حدثت الوفاة بعد مضي جزء من الشهر اختلف الفقهاء في حساب العدة بعد الوفاة على النحو التالي:
- قال جمهور من فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية إلى أنه تحتسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة، أما الشهر الأول فتكمل أيامه من الشهر الخامس ثلاثين يوم، ثم يزاد عشرة أيام كاملة.
- بينما ذهب الإمام أبو حنفية وأبي يوسف، ووجه عند الشافعية وقال به أحمد الشافعي ووجه عند الحنابلة إلى أنها تحتسب العدة بالعدد، فتكون عدتها مدتها مائة وثلاثين يوم، وهذا الخلاف جار عند إمكان حساب العدة عن طريق الأشهر، فأما إذا تعذر ذلك فنص الفقهاء على احتسابها حينئذ بالعدد مائة وثلاثين يومًا.
- بناء على ذلك فإن عدة الوفاة يتم احتسابها بالأشهر الهجرية أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت الوفاة قد وقعت أول الشهر اتفاقًا.
- فإن وقعت بعد مضي جزء منه فالفقهاء يكونوا مختلفون بين الاعتداد بالعدد مائة وثلاثين يومًا كاملة؛ كما هو الإمام أبي حنيفة ومن وافقه؛ أخذ بالاحتياط وتسهيل على المعتدة في الحساب، وبين الاعتداد بالأهلة والأيام.
- كما هو قول جمهور من بعض الفقهاء أنه تحتسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة، أما الشهر الأول فسوف تكمل أيامه من بعد انتهاء الشهر الثالث الثلاثين يوم، ومن ثم تزاد عليه عشر أيام، واعتداد المعتدة من الوفاة بعدد الأيام مائة وثلاثين يوم وهذا على قول الإمام أبي حنيفة ومن وافقه أولى وهذا يكون احتياط وخروج من الخلاف.
في الختام، نجد أن العدة بعد الوفاة ليست مجرد فترة زمنية يمر بها الإنسان، بل هي فريضة شرعية تحمل في طياتها حكمة بالغة، فهي فترة انتقالية هامة للمرأة تتيح لها الفرصة للتأمل والتدبر والتأهب لحياة جديدة، كما أنها تحفظ حق الميت وتضمن استقرار الأسرة والمجتمع.