تتعلق أحكام النسب في الإسلام بكيفية تحديد الروابط بين الأفراد وعائلاتهم، وتكتسب أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية، حيث يعتبر النسب من العناصر الأساسية التي تحدد الهوية الاجتماعية والقانونية للفرد.
فمن ثبت نسبه من خلال الإقرار أو التلقيح أو التسامع أو غيرها من الوسائل الشرعية، فلا يجوز لأحد أن يشكك في نسبه أو يحرم من حقه في الميراث، ويمكن توضيح جميع أحكام النسب بالتفصيل فى هذا المقال.
أحكام النسب في الإسلام
يوجد العديد من أحكام النسب في الإسلام فهو أمر يمكن أن يحدث عليه الكثير من الجدل ويمكن توضيح هذا الأمر بالتفصيل فى النقاط التالية لحسم اي جدل:
الزواج الصحيح
هو الذي يتيح للرجل التواصل مع المرأة ويجعلها له وحده، ويعتبر هذا الزواج بمثابة حرث للمرأة، فعند إنجاب المرأة يعتبر هذا الطفل من الزوج، إذ يُرفض احتمال أن يكون من غيره ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الأصل هو اعتبار أحوال الناس على الصلاح حتى يثبت العكس.
بناءً على ذلك فإن من أحكام النسب في الإسلام أن يثبت نسب الطفل من الزوج دون الحاجة إلى إقراره أو تقديم الزوجة لأي دليل، وثبوت النسب نتيجة للعلاقة الزوجية الصحيحة مدعوم بالقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء على النحو التالي:
- في القرآن الكريم بقوله -تعالى-: (وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزواجِكُم بَنينَ وَحَفَدَةً).
- أما في السنة النبوية بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ).
- في الإجماع اتفق العلماء على أن النسب يثبت من خلال فراش الزوجية الصحيح، ومن الشروط اللازمة لثبوت النسب في الزواج الصحيح هو إمكانية حمل الزوجة من الزوج، ويتحقق ذلك من خلال أمرين:
أولاً: أن يكون الزوج في سن يسمح له بالإنجاب
فإذا كان غير بالغ وأنجبت زوجته ولدًا، فإن نسب هذا الولد لا يُعتبر ثابتًا منه.
ثانيًا: يجب أن تكون هناك إمكانية للتلاقي بين الزوجين
أي أن يتمكن الزوجان من الالتقاء بعد عقد الزواج، ومن المهم أن نلاحظ أن الزواج الفاسد يعتبر كأنه زواج صحيح من حيث ثبوت النسب؛ فالولد الذي تنجبه المرأة ينسب إلى الرجل الذي اختلط بها، كما أوضح فقهاء الشريعة الإسلامية.
اقرأ أيضًا: فقه الأسرة وأخلاقيات الزواج
الإقرار بالنسب
الإقرار ينقسم إلى نوعين: إقرار يتعلق بالمقر نفسه وإقرار يتعلق بغير المقر، وفيما يلي توضيح لكل منهما:
- من أحكام النسب في الإسلام الإقرار المتعلق بالمقر مثل أن يقول الشخص: هذا ابني ويعتبر هذا الإقرار صحيحًا حتى لو كان الشخص في حالة مرض الموت بشرط توافر أربعة شروط متفق عليها في معظم المذاهب، وهي:
- أولاً: أن يكون المقر به (الابن) غير معروف النسب، فإذا كان له أب معروف غير المقر، فإن هذا الإقرار يكون باطلاً.
- ثانيًا: أن يتوافق الإقرار مع الواقع، بحيث يكون المقر به (الابن) في سن تسمح له بأن يكون ابنًا للمقر (الأب).
- ثالثًا: أن يصدقه المقر له إذا كان مؤهلاً للتصديق، أي أن يكون بالغًا وعاقلًا.
- رابعًا: أن لا يتضمن الإقرار نقل النسب إلى شخص آخر، سواء تم تصديقه من قبل المقر به أم لا.
- أما الإقرار بالنسب يتعلق بغير المقر مثل أن يقول الشخص: هذا أخي أو هذا عمي أو هذا جدي أو هذا ابن ابني، فهو يتطلب نفس شروط الإقرار المتعلق بالمقر، مع إضافة شرط واحد، وهو تصديق الغير، فإذا قال شخص: هذا أخي فإنه يشترط لثبوت نسبه وفقًا لمذهب الحنفية أن يصدقه والده في ذلك.
البينة أو اليمين
البينة تعتبر حجة متعدية في أحكام النسب في الإسلام، حيث لا يقتصر تأثيرها على الشخص المقر فقط، بل يمتد ليشمل الآخرين أيضًا، في المقابل الإقرار يعتبر حجة قاصرة تقتصر على الشخص المقر ولا تمتد إلى غيره، وقد اتفق الفقهاء على أن النسب لا يثبت بشهادة عدل واحد ويمين، ولا بشهادة امرأتين ويمين.
أما في مسألة ثبوت النسب بشهادة عدل وامرأتين فقد اختلف الفقهاء، فوفقًا للحنفية والحنابلة يثبت النسب بشهادة عدلين ذكرين، أو بشهادة رجل وامرأتين عدول، بينما يرى المالكية والشافعية أن النسب يثبت فقط بشهادة عدلين ذكرين، ولا يقبل إثبات النسب بشهادة رجل وامرأتين، حيث إن شهادة عدل وامرأتين تقبل فقط في الأمور المالية.
اقرأ أيضًا: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
أهم المسائل والأحكام المتعلقة بثبوت النسب
يوجد الكثير من المسائل وأحكام النسب في الإسلام، ويمكن فى النقاط التالية توضيح هذه المسائل بالتفصيل:
المسألة الأولى
إذا أنجبت زوجة مولودًا يمكن أن يكون منسوبًا إليه، فإن النسب يلحق به ويعتبر ابنه، وذلك في حال ولادته على فراشه، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: الولد للفراشة كما رواه البخاري ومسلم، وتتحقق إمكانية النسب في عدة حالات، منها:
الحالة الأولى
أن تكون الزوجة في عصمة زوجها، وأن تلد بعد مرور ستة أشهر من تاريخ إمكانية الاجتماع والوطء بينهما، وقد اتفق العلماء على أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر.
الحالة الثانية
لا يعتبر الطفل منسوبًا إلى الزوج إذا ولد خلال فترة الحمل، حتى لو طالت هذه الفترة، وفيما يتعلق بتحديد أقصى مدة الحمل، هناك آراء واختلافات تتطلب تفصيلًا لا يتسع له المقام هنا.
كما أشار ابن رشد في كتابه بداية المجتهد إلى أن الاختلاف قائم حول أطول مدة الحمل التي يعتبر فيها الولد منسوبًا إلى والده، وهذه المسألة تعتمد على العادة والتجربة، ومن المحتمل أن التقدم الطبي الحالي يمكن أن يوضح أقصى مدة للحمل.
ولإلحاق الولد بالزوج أو المطلق في هاتين الحالتين، يجب أن يكون كل منهما من الأشخاص الذين يمكن أن يولد لهم أطفال، أي أن يكون قد بلغ سن العشر سنوات أو أكثر، استنادًا إلى قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: مُرُوا أولادَكم بالصلاة لسبعٍ، واضرِبوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع.
الحالة الثالثة
إذا قام الزوج بتطليق زوجته طلاقًا رجعيًا، ووضعت زوجته مولودها خلال فترة الحمل وقبل انتهاء عدتها، فإن نسب المولود يعتبر تابعا له بلا أدنى شك، لأن المطلقة رجعيًا تعتبر في حكم الزوجة.
المسألة الثانية
فإن من أحكام النسب في الإسلام يمكن أن ينعدم نسب الولد من الزوج في الحالات التالية:
- الحالة الأولى: إذا ولد الطفل بعد أقل من ستة أشهر من زواجها وعاش، حيث إن هذه الفترة لا تكفي للحمل والولادة، مما يعني أنها قد حملت به قبل الزواج.
- الحالة الثانية: إذا طلقها طلاقًا بائنَا، ثم أنجبت بعد انقضاء أقصى مدة الحمل من تاريخ الطلاق، فإن الولد لا ينسب إليه، لأن الحمل قد حدث بعد انتهاء العلاقة الزوجية.
- أما المسألة الثالثة: فقد ذكر في المسألة الأولى أنه إذا أنجبت الزوجة مولودًا يمكن أن يكون من زوجها، فإن النسب يلحق به ويعتبر ابنه.
اقرأ أيضًا: دور فقه الأسرة في بناء مجتمع مسلم سليم
المسألة الثالثة
إذا حدث التباس في نسب المولود لأبيه نتيجة اختلاط بين المواليد في المستشفى، أو في حالات الكوارث فإنه يمكن الاعتماد على وسائل تظهر نسب المولود إلى أبيه، مثل القيافة وغيرها من الأساليب التي ذكرها الفقهاء في الماضي.
وفي عصرنا الحالي يمكن استخدام الأساليب العلمية التي أكتشفها العلم الحديث، والتي تؤكد نسب المولود إلى أبيه، مثل البصمة الوراثية، وقد أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرارًا برقم 7 بتاريخ 26/10/1422هـ بشأن هذه القضية، وقد تضمن القرار ما يلي:
- أولًا: يجب أن يتم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب بحذر شديد وحرص كبير وسرية تامة؛ لذا ينبغي أن تكون النصوص والقواعد الشرعية هي الأساس قبل الاعتماد على البصمة الوراثية.
- ثانيًا: لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية لنفي النسب، ولا يمكن تقديمها على اللعان.
أحكام النسب في الإسلام هي مجموعة القواعد والأحكام التي وضعها الإسلام لتحديد الأنساب وتنظيم العلاقات الأسرية، وتعتبر هذه الأحكام من أهم أسس بناء المجتمع الإسلامي، فهي تحدد الحقوق والواجبات بين الأفراد وتساهم في حفظ النسل وحماية الفرد والمجتمع.