الوكالة في المعاملات المالية هي شكل من أشكال التفويض الذي يقوم به التجار وأصحاب المصالح، وتكون في حق شخص موثوق يتيحون إليه التصرف في أموالهم وأملاكهم بشكل كامل، من أجل المنفعة أو التجارة أو إدارة الأصول، ولها أحكام عديدة بينها علماء الشريعة الإسلامية على مدى عقود، حيث تدخل الوكالة في كل التعاملات التجارية والإنسانية بشكل كبير.
تعريف الوكالة في المعاملات المالية
الوكيل في اللغة يحمل معنيين رئيسيين، أولهما الحفظ كما ورد في الآية الكريمة: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران – 173]، أي الحافظ، والتفويض كما في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚوَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب – 3]، أي فوّض أمرك إلى الله.
وبالنسبة للوكالة في الشرع فهي عبارة عن استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة، وبعبارة أخرى هي تفويض إنسان لغيره بهدف القيام بتصرف فيما يملكه هذا المفوض القيام به بنفسه، ليقوم به عنه.
حكمة مشروعية الوكالة في المعاملات المالية
أكد علماء الشرعية الإسلامية أن الوكالة ثابتة ومشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وفقاً للأدلة الآتية::
- قوله تعالى في شأن حل النزاعات الزوجية: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء – 35] ففي هذه الآية، يُناط بالحكمين مهمة الوكالة عن الزوجين للنظر في الأمر وإصلاحه.
- وقوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖإِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف – 55]، أي اجعلني وكيلًا عليها.
- وردت أحاديث صحيحة متعددة تدل على مشروعية الوكالة، منها إرسال النبي صلى الله عليه وسلم السعاة لجباية الزكاة.
أركان الوكالة في المعاملات المالية
أكد علماء الشريعة على أن الوكالة تبنى على أربعة أركان أساسية، ويشترط في كل ركن مجموعة من الشروط المعينة التي نوجزها فيما يلي:
الموكل
هو الشخص الذي ينيب غيره في القيام بعمل ما، ويشترط أن يكون متمتعًا بالأهلية الشرعية للتصرف فيما يوكل به غيره، وبناءً على ذلك لا تصح وكالة الصبي أو المجنون أو فاقد الوعي، كما لا يصح توكيل المحجور عليه لسفه في التصرفات المالية، لعدم أهليته لإدارتها بنفسه.
أقرأ المزيد: التأمين في الفقه الإسلامي
الوكيل
هو الشخص الذي يقوم بالتصرفات نيابة عن الموَكِّل بتفويض منه، ويشترط أن يكون عاقلًا، بالغًا، ورشيدًا، أي أن يكون مؤهلًا شرعًا لمباشرة التصرف المأذون فيه لنفسه، كما يشترط تعيين الوكيل تحديدًا، فلو قال الموَكِّل: “وكلت أحدكما ببيع أملاكي” لم تصح الوكالة، وكذلك لو قال: “وكلت كل من أراد الترصف في ملكي”.
الصيغة
وهي الإيجاب والقبول، ويشترط فيها شرطان:
أن يصدر من الموكل ما يدل على رضاه بالتوكيل صراحةً، كقوله: “وكلتك ببيع سيارتي هذه”، أو دلالةً، كقوله: “أقمتك مقامي في البيعة”، ويكفي من الوكيل ما يدل على القبول، ولا يشترط فيه اللفظ، ولكن يشترط على الأصح عدم تعليق الصيغة بشرط، كأن يقول: “إذا قدم أحمد من سفره فأنت وكيلي”، أو “إذا حل شهر رمضان فقد وكلتك بالتصرف في أملاكي”.
الموكل فيه
هو التصرف الذي يفوض الموَكِّل الوكيل للقيام به نيابةً عنه، ويشترط فيه عدة أمور:
- أن يكون الموَكَّل فيه ملكاً للموَكِّل، فلا يجوز التوكيل فيما لا يملكه.
- أن يكون الموَكَّل فيه معلومًا، ولو بوجه من الوجوه، فلا يصح أن يقول: “وكلتك في بعض أعمالي”.
- أن يكون الموَكَّل فيه قابلاً للإنابة، فلا يجوز التوكيل في العبادات المحضة، كالصلاة والصوم.
- ألا يكون الموَكَّل فيه من الأمور المحظورة، فلا يصح أن يوكله بالاحتطاب أو الاحتشاش عند بعض الفقهاء، وإذا حصل ذلك، كان الفعل للوكيل، ولا حق للموكل فيه.
الوكالة من الأمور المباحة شرعاً بشروط، ولذلك يجب الحرص على اختيار الوكيل بشكل جيد، حتى لا يقوم بما لا يجوز له أن يقوم به مستغلاً هذه الوكالة.