حرص الإسلام على صيانة حقوق المستهلك في الشريعة من خلال وضع قواعد وضوابط تحميه من أي ضرر يتسبب في خسارة ماله وحقه، وقد حرص النبي على تشجيع المسلم على نفع أخيه المسلم فقال صلى الله عليه وسلم: “خير الناس أنفعهم للناس”، فقد حرص الإسلام على تحقيق أهداف سامية تتجاوز إشباع الاحتياجات المادية للمستهلكين، وفيما يلي يقدم موقع آراء فقهية كيف حافظ الإسلام على حقوق المستهلك.
حقوق المستهلك في الشريعة
كان الهدف من وضع القواعد والضوابط لحفظ حقوق المستهلك في الشريعة هو أن تسود المحبة والأمانة والأخلاق الحميدة في المجتمع الإسلامي، وبناء على ذلك كان الإسلام كافلا وضامنا لحقوق كل من البائع والمستهلك؛ لذا يقوم موقع آراء فقهية بطرح كافة القواعد التي وضعها الإسلام لتنظيم عملية البيع والشراء، وفيما يلي أبرز هذه القواعد:
حسن المعاملة
يجب على كل مسلم ألا يبخس حق أخيه المسلم، وألا يغشه في أي أمر من أمور الحياة مثل البيع والشراء، فلا يحق للبائع أن يبيع للمستهلك بضاعة تالفة أو فاسدة أو بيع أي سلعة بها عيوب دون ذكرها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من غشنا فليس منا”، كما أنه لا يحق للبائع أن يحتكر بضاعته، وقال صلى الله عليه وسلم:”لا يحتكر إلا خاطئ”.
أقرأ المزيد: البيوع المعاصرة وأحكامها
النهي عن التلاعب بالأسعار
حرم الإسلام التلاعب بالأسعار عن طريق النجش، وذلك من أجل الحفاظ على حقوق المستهلك في الشريعة، والنجش هو أن يقوم شخص ما بزيادة سعر السلعة وهو لا يرغب في شراءها وإنما يفعل ذلك فقط لجعل الآخرين يتقدمون لشرائها، ويتم ذلك بالاتفاق بين كل من الناجش والبائع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:”ولا تناجشوا”.
التفتيش على البائعين في الأسواق
لقد شرع الإسلام منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده بتكليف شخص يقوم بوظيفة التفتيش على البائعين في الأسواق والحرف والصناع والتجار، وكانت هذه الوظيفة قائمة على مراقبة السوق والمعاملات اليومية التي يقوم بها المحتسب، والمقصود بالمحتسب هو طلب الثواب الأخروي من خلال إشباع وتلبية حاجات المستهلكين، ومع مرور الوقت أصبح الاحتساب جزء لا يتجزأ من النظام الإداري للدولة الإسلامية، وذلك من خلال مراقبة سير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار قواعد الشريعة الإسلامية، ومن أجل تحقيق المنفعة العامة للمجتمع، مثل مراقبة حسابات الدولة والموازين والمكاييل والمواريث والأخلاق العامة والآداب.
توفير منتجات ذات جودة عالية
حثت الشريعة الإسلامية أصحاب الصنعة على العمل على إتقان أعمالهم من أجل توفير منتجات ذات جودة عالية للمستهلكين، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه”، وكان لذلك الحديث أثره في نفوس البائعين، فأصبحوا يتجنبوا بيع السلع رديئة الجودة والمغشوشة.
النهي عن البيوع المحرمة
نهى الإسلام عن البيوع المحرمة والممقوتة، مثل مساومة الإنسان على سوم أخيه المسلم، أو أن يبيع على بيع أخيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:”لا يسم المسلم على سوم المسلم”، وقال أيضا:”لا يبع بعضكم على بيع أخيه”، بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام قد حرم رفع الأسعار بلا مسوغ، لأن ذلك سيؤدي حتما بالإضرار بمصلحة المجتمع المسلم.
أهمية حقوق المستهلك في الإسلام
تنبع أهمية حقوق المستهلك في الإسلام من حرص الشريعة على تحقيق العدالة والإنصاف في المعاملات التجارية، حيث تهدف هذه الحقوق إلى حماية المستهلك من الغش والخداع والضرر، وضمان حصوله على منتجات وخدمات سليمة وعادلة.
وقد أولت الشريعة الإسلامية اهتمامًا كبيرًا برعاية مصالح المستهلك، من خلال أحكام ومبادئ شرعية تنظم العلاقة بين المستهلك والمنتج، وتسعى إلى تحقيق التوازن بين الطرفين، بحيث لا يظلم المستهلك ولا يستغل بأي شكل من الأشكال، وتتجلى أهمية حماية حقوق المستهلك في النقاط التالية:
تحقيق العدالة الاجتماعية
تهدف الشريعة الإسلامية إلى ترسيخ مبدأ العدالة في جميع جوانب الحياة، ومن بينها الجانب الاقتصادي، ويعد حماية حقوق المستهلك وسيلة مهمة لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال منع استغلاله، وضمان حقه في الحصول على منتجات وخدمات ذات جودة مناسبة تلبي احتياجاته دون ظلم أو غبن.
حماية المستهلك من التدليس والغش
تحرّم الشريعة الإسلامية الغش والتدليس في المعاملات التجارية، وتلزم البائعين بتقديم معلومات دقيقة وصادقة عن المنتجات والخدمات التي يبيعونها، وبذلك تضمن الشفافية وتحمي المستهلك من الوقوع في التضليل أو الخداع عند الشراء.
ضمان سلامة المستهلك
يولي الإسلام أهمية كبيرة لسلامة المستهلك، فيشترط أن تكون المنتجات مطابقة لمعايير الجودة والأمان، كما يمنع تداول السلع الضارة أو الفاسدة أو التي تسبب خطرًا على صحة الإنسان، حفاظًا على أرواح الناس ومصالحهم.
تعزيز الثقة في السوق
عندما يشعر المستهلك بأن حقوقه مصونة، تنشأ لديه ثقة في السوق والمعاملات التجارية، مما يعزز من الاستقرار الاقتصادي، هذه الثقة تسهم في دعم النشاط التجاري وتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة.
تابع المزيد: الحقوق الزوجية والواجبات
تلبية احتياجات المستهلك
تسعى الشريعة الإسلامية إلى ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمستهلكين، من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن، وغير ذلك مما تقوم عليه الحياة الكريمة، كما تمنع أي ممارسات قد تؤدي إلى حرمان الناس من هذه الضروريات، حرصًا على رفاهية المجتمع بأسره.
واجبات المستهلك في الشريعة الإسلامية
اهتم الإسلام بكل التفاصيل، وبحقوق كل الناس ولم يترك شيء إلا ووضع له قوانين وضوابط تحميه، وهناك العديد من واجبات المستهلك في الشريعة الإسلامية، والتي تتمثل في:
الاعتدال في الاستهلاك
من واجبات المستهلك في الشريعة الإسلامية، ألا يقوم بشراء الأشياء ببذخ، فيجب عليه أن يهتم بالاعتدال في الاستهلاك، أو يقوم باستهلاك الأشياء بشكل معتدل وبدون إسراف أو تبذير، وذلك لكي يقوم بالحفاظ على نعم الله، ولكيلا تزول منه.
الابتعاد عن الغش
يجب على المستهلك أن يبتعد عن الغش في التعاملات التجارية، فالغش موجود في البيع وفي الشراء، فيجب تجنبه تمامًا.
التعاون مع الجهات الرقابية
في حالة كان هناك أي نوع من المشكلات من الضروري التوجه إلى الجهات الرقابية وعدم التصرف من نفسك، وذلك لكي تقوم بحماية حقوقك، وحقوق غيرك من الأشخاص، وذلك من أهم واجبات المستهلك في الشريعة الإسلامية.
دور الدولة في حماية المستهلك
الدولة تعمل على تطبيق القوانين والتشريعات التي جاءت في الإسلام والتي تخص حقوق المستهلك، ولكي يتم العمل على تطبيقها بالطريقة المثالية، قامت بفرض العديد من الأمور المختلفة، وهي تتمثل في:
سن القوانين والتشريعات
تعمل الدولة على فرض العديد من القوانين والتشريعات المختلفة التي تقوم بحماية حقوق المستهلك، وتضمن له سلامة التعاملات التجارية المختلفة، وتساعد على تطبيق الشريعة بالشكل المثالي.
تطبيق القوانين
تعمل الدولة بحزم كبير جدًا من خلال العمل على تطبيق القوانين، بشكل فعال، وذلك لكي تقوم بتجنب تعرض المواطنين لأي نوع من الاحتيال، وذلك يكون من خلال محاسب المخالفين بشكل حازم.
توعية المستهلك
من الضروري أن يكون المستهلك على علم بحقوقه وواجباته، وذلك لكي يقوم بحماية نفسه من أي نوع من الغش والتضليل، ولكي يحافظ على العدالة في المعاملات التجارية، ولكي يتم منع الظلم والاضطهاد بشكل كامل.
مراقبة الأسواق
تعمل الدولة بشكل كبير جدًا على مراقبة الأسواق، والتأكد من أنه يتم العمل بالقوانين والتشريعات من قبل كل التجار الموجودين، ويتم التأكد من جودة المنتجات والخدمات المتوفرة أنها تطابق المعايير الخاصة بها على أكمل وجه.
ختاما لقد كفل الإسلام جميع حقوق المستهلك في الشريعة من خلال الحث على حسن المعاملة في البيع والشراء، والنهي عن التلاعب بالأسعار، والتفتيش على البائعين في الأسواق، وتحريم البيوع المحرمة، مع توفير جميع احتياجات المستهلك وذلك كي يسود المجتمع الأمانة والأخلاق الحسنة.