منَّ الله على عباده بالكلمات التي تهديهم الصراط المستقيم فمن ابتغاها فقد أدرك صراطه، ولا يقصد من الفرق بين الدعاء والأذكار التباين بينهما، وإنما هو فضل كل منهما في إتمام أجّْل العبادات على المسلم وهي ربط القلوب بقضاء الله وذكره ونعمه وفضله وشغل اللسان عن أحوال الناس بعبادة رب الناس.
الدعاء والذكر من العبادات المأمور بها المسلم وأدائها هو درجة من درجات التفضيل عند الله وصراط لا ريب فيه لعصمة العبد من سعير سقر يوم القارعة، فمن سلكها غنم ومن تركها ندم.
الفرق بين الدعاء والأذكار في اللغة والاصطلاح
الذكر في اللغة العربية مصدرها الفعل الثلاثي “ذكر” وهي تشير إلى معنى “جري الكلام على اللسان”، ففي قوله تعالى “اذكرني عند ربك” أي تكلم عني أمام سيدك، والذكر اصطلاحًا هو حمد الله والثناء عليه والتلفظ بألفاظ جلالته وشغل القلب بصلة رب العباد، وهو غير مقيد بزمن ولا حركة ولا طلب ولا غرض، وهو في حقيقته التماس للتقوى وعفة عن المعاصي، والذكر أنواع، قسمها الفقهاء إلى:
- ذكر السر والجهر.
- ذكر اللسان وذكر القلب.
- الذكر المنفرد والذكر مع الجماعة.
- ذكر ثناء وذكر دعاء وذكر رعاية.
بناء عليه فإن الدعاء لون من ألوان الذكر وكلاهما من صنوف العبادة، ويحمل الدعاء في اللغة اصطلاحا معنى يشير إلى الخضوع و الإقرار بالألوهية، ففي قوله تعالى “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ” إقرار بخضوع العبد إلى قدرة الله سبحانه، والدعاء في اللغة مصدرها ” دعا” وهي تشير إلى معنى النداء، ففي قوله تعالى “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ” أي نادى ربه، ويختص الدعاء عن الذكر باقتران الطلب.
اقرأ أيضًا: كيفية ذكر الله وفضله على المسلمين
أوجه الفصل بين الدعاء والذكر
إدراك أوجه التكامل والفرق بين الدعاء والأذكار، خلافًا على المعنى اللغوي، من شأنه تعبيد الطريق أمام المسلم في معرفة الفضائل المميزة لكل عبادة منهم مقارنة بالأخرى، و يظهر هذا على النحو التالي:
- الدعاء جزء من الذكر، ذكر الله أعم وأشمل ويضم كل صنوف العبادة.
- الدعاء مقرون بطلب واستجابة.
- الذكر غير مقرون بطلب ولا استجابة.
- الوساطة مقبولة في الدعاء وغير مقبولة في الذكر، حيث قال تعالى “ادع لنا ربك” وقال في الذكر ” فاذكروني أذكركم”.
- الدعاء مقرون بالتغيير وأحوال الدنيا والآخرة.
- الذكر مقرون بصلاح القلوب وصلة العبد بالرب.
- الذكر في كل وقت بينما للدعاء أفضل الوقت.
- الدعاء كلام قابل للتعميم والاسترسال والنطق بما يضم القلب من أَنَّن وأَنَاءُ.
- الذكر كلمات معلومات لا تغيير فيها ولا تعديل ومنها التكبير والتحميد والتسبيح.
- الذكر عند أوجه من الفقهاء يستوجب الطهارة، بينما الدعاء لا يستوجب الطهارة.
فضل الذكر في العبادة
يقول تعالى “وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ” كما يقول “وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا”، وتتجلى مكانة الذكر عند الله في أنها غير مقرونة بحد ولا عذر، فما أنزل الله من فريضة ولا أقر بشرع، إلا ووضع له حد وفصل له عذر، فعلى سبيل المثال يتضح ذلك في قوله “فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” وهو تفصيل لعذر.
الذكر غير مقرون بمكان ولا زمان ولا حاله ولا وضع، يقول تعالى “الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ”، حيث أن التنوع في الوصف يغني عن شرط الممارسة، فهي مطلوبة في الصحوة والغفلة والسراء والضراء وفي البر والبحر وفي الفجر والعشاء والصحة والمرض.
جعل الله الذكر مورد أبواب الجنة، فقد روي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن رجلا جاء إليه وقال: “إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت عليَّ، فأخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به، فقال: لا يزالُ لِسانُك رَطبًا مِن ذِكرِ اللهِ تعالى”.
فوائد الذكر في الإسلام
من خلال تبيين فوائد الذكر يمكن تبين الفرق بين الدعاء والأذكار، حيث لكل منهم فائدة مختلفة عن الأخرى.
ذكر الله يطرد الشيطان ويرضي الرحمن ويزيل الهم والغم، ويجلب الفرح والسرور ويشرح الصدور ويذيب قسوة القلوب ويحط الخطايا، ويزيل الوحشة وينجي من عذاب الله وهو أمان من النفاق، أمان من الحسرة يوم القيامة، وسبب لنزول السكينة وحفوف الملائكة، ونور للعبد في القبر ونضرة له في الدنيا، وصراط مستقيم في الآخرة.
آداب الذكر في الإسلام
هناك آراء فقهية اجتهد العلماء في وضعها لتوضيح آداب الذكر، وذلك من باب التفضيل وليس من باب الوجوب، إنطلاقا من ان الذكر هو العبادة الأعم والأشمل لكل مفاصل العبادات من قراءة القرآن وأداء الصلاة وذكر الله بالتحميد والتسبيح والتكبير، وذلك على النحو المبين:
- ذكر الله عبادة والنظام على وجهها العام مطلوبة، فيجب أن يكون المكان نظيفا والثياب طاهرة، ففي رواية عن النبي “كرهت أن أذكر الله إلا على طهر”
- الذكر شغل للقلب، ومن الآداب الابتعاد عن الملاهي وأوجه الانشغال أثناء الذكر.
- استقبال القبلة.
- التدبر في القول ويظهر ذلك في قوله “الذين يذكرون قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض”
يشمل الفرق بين الدعاء والأذكار ذكر آداب كل منهما فلكل آدابه التي يتعين على المسلم الاستعانة بأفضلها عند شغلها.
الدعاء في الفقه
قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ”، وفي الدعاء معان منها، الوجود، والغني، والسمع، والكرم، والرحمة، والقدرة، فمن فقدهم أو فقد منهم لا يدعى، وللدعاء شروط، منها:
- أن يكون الداعي عالما بأنه لا يقدر على حاجته إلا الله، فلا يسأل أو يستعن إلا بالله.
- ألا يكون المطلوب من الدعاء ممتنع عقلا ولا عادة، كطلب إحياء الموتى أو تكرار معجزات الأنبياء.
- أن لا يدعو بما هو مستحيل “كالخلود في الدنيا”.
- ألا يدعم بإثم أو فاحشة أو ذنب أو حرام.
- عدم التعجل في الإجابة أو الضجر.
- إصلاح اللسان بأفصح اللفظ.
يعد اختلاف الشروط ضمن أبرز أوجه الفرق بين الدعاء والأذكار، ويجب على المسلم إتباع أفضلها في التطبيق.
اقرأ أيضًا: ما هي أهم الأذكار بعد الصلاة
آداب الدعاء في الإسلام
اجتهد الفقهاء في تحديد الفرق بين الدعاء والأذكار وشمل أوجه الفرق توضيح آداب الدعاء في الإسلام، وهي مبينة على النحو التالي:
- تقديم التوبة ورد المظالم.
- رفع الكفين بغير ساتر.
- خفض الصوت.
- الافتتاح بالحمد والثناء والصلاة على النبي.
- ختم الدعاء بأسماء الله الحسنى.
- تحري جوامع الأدعية.
- لزوم الدعاء في كل الأحوال.
- ألا يحتجز الداعي الدعاء لنفسه.
أفضل الأوقات للدعاء
الدعاء صالح في كل وقت، ولكن هناك بعض الأوقات التي يستحب فيها الدعاء بكثرة منها:
- يوم عرفة.
- يوم الجمعة.
- جوف الليل ووقت السحر.
- شهر رمضان.
- ليلة القدر.
- بين الأذان والإقامة.
- عند السجود.
- بعد قراء الفاتحة في الصلاة.
- عند نزول الشمس وقبل الظهر.
- في حركات السجود.
اختصاص الدعاء بأفضل الوقت يعد من ضمن مظاهر الفرق بين الدعاء والأذكار.
موانع إجابة الدعاء
قال الرسول صلى الله عليه وسلم “أعوذ بالله من دعوة لا يستجاب لها”، وقد اجتهد الفقهاء في توضيح الأخطاء التي من شأنها منع استجابة الدعوة، ومنها:
- الاستعجال عند الدعاء.
- الدعاء بإثم.
- الدعاء على أناس مخصوصين.
- أصحاب الشهوات والمنكر والنهي عن المعروف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم، رجل كانت تحته إمرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيها ماله وقال الله ” وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ”.
الفرق بين الدعاء والأذكار له حكمة على المؤمن تتبعها في سبيل استقصاء أفضل العبادات إلى الله سبحانه وتعالى بما يصلح به حاله ويستقيم به أمره.