فقه الأسرة

ما هي المسؤولية الاجتماعية للأسرة في الإسلام؟

مفهوم المسؤولية الاجتماعية للأسرة متأصل في ديننا الحنيف منذ خمسة عشر قرنا فلقد تناول الإسلام قضايا المسؤولية المجتمعية وواجبات الأسرة من خلال العديد من نصوص القرآن والسنة وسن تشريعاته التي تحث على التكافل الاجتماعي والإنفاق، وبذل الخير بكافة أشكاله جنبا إلى جنب مع العمل بما ينفع الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جعل الإسلام القاعدة العامة للمجتمع هي قاعدة التعاون بين كافة أطيافه ومكوناته بما يضمن تحقيق الصالح العام والخاص.

تشكل الأسرة لبنة المجتمع الأساسية وهي المسؤولة عن نجاح التنشئة القويمة من الدين والنفس والبدن والعقل للأطفال، يشمل ذلك تزويدهم باحتياجاتهم الأساسية اليومية والترفيهية بالإضافة إلى تأهيلهم للتحديات المستقبلية.

مفاهيم المسؤولية الاجتماعية للأسرة

المسؤولية الاجتماعية للأسرة
المسؤولية الاجتماعية للأسرة

المسؤولية في اللغة مصدر صناعي مأخوذ من مادة (سأل) التي تدل على استدعاء معرفة ما أو يؤدي إلى المعرفة، أو استدعاء مال ما أو يؤدي إلى المال وأما في الاصطلاح فهي عند أرباب القانون، صلاحية واجبات معززة بجزاءات مدنية أو جنائية ينظمها القانون، وبالنظر إلى سياقات المسؤولية في القرآن الكريم نجد أنها لا تخرج هذا عن المفهوم القانوني، وترتبط ارتباطا وثيقا بعنصري الإلزام والجزاء، ففي أكثر من موضع من القرآن الكريم نجده يربط بين المسؤولية والالزام والمحاسبة على مدى رعاية الملزم به.

وعلى هذا يمكن تعريف المسؤولية المجتمعية في الإسلام بأنها مسؤولية الفرد أمام ذاته عن الجماعة التي ينتمي إليها، أي أن المسؤولية المجتمعية مسؤولية ذاتية أخلاقية، تتولى فيها الأخلاق المراقبة الداخلية والمحاسبة الذاتية، كما أن فيها من الأخلاقية ما في الواجب الملزم داخليا إلا أنه إلزام داخلي خاص بأفعال ذات طبيعة اجتماعية أو يغلب عليها التأثير الاجتماعي.

مفهوم الأسرة في الإسلام 

إن الأسرة في الإسلام تبدأ بإقرار الصورة الصحيحة للزواج والإشهار بين الطرفين وفق الضوابط الشرعية والعرف الدارج في المجتمع محل الزواج، ويعد التفاهم بين الزوج والزوجة وتلبية وتأمين الاحتياجات الزوجية من النفقة والطاعة وتأمين الاستقرار العاطفي والبدني للطرفين، الخطوة الأولى في تحقيق مفاهيم الأسرة السعيدة.

المسؤولية الاجتماعية للأسرة وثيقة الصلة بالواجبات والتربية ونظام التكافل مع المجتمع المحيط و إطاعة الأوامر الشرعية والقوانين الوضعية المرتبطة بتنظيم المعاملات بين أفراد المجتمع وبعضهم وبين أطراف المجتمع والسلطة بناء على نظام العقد الاجتماعي السائد فيه.

تشمل المسؤولية الأخلاقية من رب الأسرة وولي أمرها تجاه رعيته تلبية حقوق النفقة، وهو مبحث فقهي عام تتصل أحكامه بتأمين الاحتياجات الأساسية والمعيشية لأفراد الأسرة، يشمل ذلك، الكسوة والمأكل والعلاج والتعليم، بالإضافة إلى الاحتياجات الترفيهية اللازمة لتحسين وتحفيز النشاط الذهني والحالة الصحية النفسية.

التحديات الحديثة في التربية والتنشئة ناتجة عن غياب بعض المفاهيم الأساسية عن طبيعة القدرة على التواصل بين الأسرة وتبادل الاتجاه بين نظام المسؤوليات والواجبات بين أفرادها، ما من شأنه قصر المسؤوليات ضمن نطاق التزامات الأبوة والأمومة تجاه باقي أفراد الأسرة. 

واجبات الأسرة في التربية

التربية ضمن نطاق المسؤولية الاجتماعية للأسرة يقتضي التعريف بالضوابط الشرعية المنظمة للعلاقة القائمة بين أفراد المجتمع وفق الأوامر الإلهية الواضحة والقواعد الفقهية المتفق عليها، بالإضافة إلى تحقيق التهذيب السلوكي القائم على الأوامر الشرعية ذات الصلة بالأوامر الفردية مع التقيد بالأعراف والقيم الإيجابية المتوارثة ما ينتج عنه إخراج فرد يتمتع بقيم الانضباط الذاتي والواجب المجتمعي.

بشكل عام تقتضي هذه المفاهيم تحقيق:

  • مكافحة الظواهر والشيم الفردية السلبية، مثل، الكذب والسرقة والغش والنميمة والكبر والغرور والاستعلاء.
  • تعظيم القيم الإيجابية الفردية وأثرها ومنها الصدق والأمانة وفعل الخير.
  • تحسين وتحفيز الصفات داخل الأفراد مثل القوة والشجاعة والكرم والإيثار والانضباط.
  • التعريف بالأوامر الشرعية تجاه المجتمع منها، مراعاة حقوق الجار والصدقات والزكاة والكفالة الاجتماعية.
  • التعريف بالنظام الاجتماعي للحقوق والواجبات، منها مسؤوليات الفرد تجاه وطنه وتعزيز الانتماء إليه وطاعة القانون. 

العلاقة بين أفراد الأسرة

المسؤولية الاجتماعية للأسرة
المسؤولية الاجتماعية للأسرة

لا يمكن تحديد نطاق المسؤولية الاجتماعية للأسرة، دون تنظيم البيئة التفاعلية الداخلية بين أطرافها، النظام المتبادل بين المسؤوليات والواجبات بين أفراد الأسرة الواحدة يحفز ظهور الصفات الإيجابية ويحد من التقلبات المرتبطة بظهور الصفات السلبية.

يوجب الإسلام على الآباء مجموعة من الحقوق تجاه أفراد الأسرة منها النفقة والمعاشرة بالمعروف والتعريف بأمور الدين، كما يوجب على الأم واجب الطاعة وحسن تربية الأبناء والمشاركة في الأعباء الزوجية والمعيشية “وفق اختيارها”، وفي إطار هذا التكامل في التفاعل بين الأفراد، يفرض الإسلام على الأبناء تجاه الأب والأم مبدأ البر والطاعة والمساهمة في الأعمال المنزلية والدراسة والاجتهاد.

السلوكيات النفسية وأثرها المجتمعي

لا يمكن بناء مجتمع سليم من أفراد معتلي الصحة، وعليه فلا أهلية لغير العاقل، وبما أن الصحة تشمل الجانب البدني والنفسي، فإن المسؤولية الاجتماعية للأسرة تقتضي ضبط السلوك النفسي للأفراد بما يساهم في تحسين صحتهم العامة، بما يساهم في بناء قوام سليم للمجتمع.

المسؤولية النفسية لا تقتضي تلقين السلوكيات الحمية والذم في السلوكيات الكريهة، لكنها تقتضي في المقام الأول فهم الطبيعة العقلية الفريدة للأطفال وما ينتج عنها من سلوك طبيعي، مع تضمين الوسائل المناسبة لإدراج السلوك الرشيد، كما تقتضي كذلك، الاجتهاد في تلبية المتطلبات وتنظيم وضبط السلوك التفاعلي.

التعليم في الأطفال قائم على الملاحظة والتسجيل والتقليد، دون إدراك أو وعي لأثر وطبيعة هذه العبارات والحركات المقلدة، وعلية فإن اتباع أفضل السلوك والأوامر الشرعية يساهم في تحسين الاستجابة الأولية لدى الأطفال بما يحسن بالضرورة مستوى الصحة النفسية اللاحق، على سبيل المثال ملاحظة الأطفال لقيام الآباء بالصلاة يساهم في استيعاب الطفل لوجود المبدأ، ربط السلوكيات العامة الحميدة، مثل الصدق أو عدم التدخين أو أي سلوك آخر، يساهم في تحسين الحالة النفسية العامة للطفل وعدم الوقوع في المتناقضات.

بشكل عام تربية فرد سليم الصحة النفسية يعد خطوة أساسية في تكوين مجتمع صحي سليم قادر على التفاعل والتكافل وتأدية الواجبات والحقوق المرتبطة به.

تابع المزيد: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام

المسؤولية الاجتماعية الفردية

المسؤولية الاجتماعية للأسرة
المسؤولية الاجتماعية للأسرة

تقتضي المسؤولية الاجتماعية للأسرة تعريف أفرادها بطبيعة المسؤولية الفردية تجاه المجتمع، حتى يتمكنوا من أدائها عند البلوغ، والمسؤولية الاجتماعية في الإسلام إما، مسؤولية الواجبة أو مجتمعية تطوعية، والمسؤولية الواجبة هي التي يجب على الأفراد أداؤها ويحرم عليهم التقصير فيها، وهي على نوعين، المسؤولية المجتمعية الواجبة وجوبا عينيا وهي المسؤولية المتعينة على الفرد بعينه، مثل مسؤولية رب الأسرة عمن يعولهم من توفير القوت وتأديب الصغار وغير ذلك، والمسؤولية المجتمعية الواجبة على الكفاية وهي المسؤولية المنوطة بمجموع المكلفين، لا من كل فرد منهم، بحيث إذا قام بها

بعض المكلفين فقد أدى الواجب وسقط الإثم والحرج عن الباقين، وإذا لم يقم به أي فرد منهم أثموا جميعا، مثل الأمر بالمعروف والنهي المنكر أو إنقاذ الغريق، كما أن المسؤولية المجتمعية التطوعية لا يتعين على الفرد أداؤها إلزاما، ويثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فهي مستحبة، وفضيلة زائدة على الفرض والواجب، ويدخل في ذلك كل جهد بدني أو فكري أو عقلي أو قلبي أو مالي يبذله الإنسان لغيره أو يتركه تطوعا دون أن يكون ملزما بما يمكنه أن يضمن ويعزز المسؤولية الاجتماعية للأسرة.

يتسع نطاق المسؤولية الاجتماعية للأسرة لتشمل مجموعة أوسع من المفاهيم ما يفتح معها أبواب جديدة للاجتهاد لكنها تظل بشكل عام إحدى الوسائل الأساسية للحفاظ على قوام المجتمع ونهجه السليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى