ما هو التوازن بين العمل والأسرة في الإسلام؟

يهدف التوازن بين العمل والأسرة إلى ضبط المقومات الاجتماعية بين حقوق الأفراد والمتطلبات الإنتاجية بما يضمن تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية القائمة على مبادئ الاستقرار الأسري والقدرة على الكفالة وتأمين الاحتياجات المعنوية والمادية، حيث أن الأسرة عماد المجتمع وهي دائرة التجارب والتعليم الأولى المسؤولة عن حقن المفاهيم المختلفة في حياة الأطفال ما يجعل من اتزانها أمر ضروري في لتنشئة جيل سوي قادر على التمييز ومواجهة التحديات المختلفة.
العمل والإنتاج هو الوسيلة اللازمة لتحقيق الاكتفاء وسد الفجوات الاستهلاكية وتحسين الحياة الاقتصادية وقد عظم الله أجر العامل إلى مرتبة الجهاد في سبيل الله.
التوازن بين العمل والأسرة وفقه الأولويات

العمل في اللغة هو الوظيفة والمهنة، وهو كل جهد مشروع يبذله الإنسان ويعود علیه أو على غيره بالخير والفائدة والمنفعة، سواء أكان هذا الجهد جسيما كالحرف الیدویة، أو فكریا كالتعلیم والقضاء، والعمل بالمعنى الاقتصادي هو كل نشاط يبذله الإنسان عن وعي وإرادة، بقصد إنتاج السلع والخدمات المسؤولة عن إشباع الحاجات بهدف تحقيق عائد كسب منه.
تضمنت الشریعة الإسلامیة الضوابط المسؤولة عن تنظيم وضبط الإنتاج وسبل رفع الكفاية الإنتاجية وفق المقاصد الأساسية للشريعة، تشمل هذه الضوابط:
- تحریم الربا.
- الالتزام بالمبادلات التي أحلها الله من سلع وخدمات.
- تحریم أكل الأموال بطرق غیر شرعیة من غش وتدليس ورشوة.
- المكاتبة في التجارة والديون.
- التقوى في المبادلات والوفـاء بالعهود.
- التوزيع العادل للثروة والدخل.
الموازنة تهدف تحقيق المفاهيم المتصلة بالمقاصد والضوابط الشرعية للحياة العملية والحياة الاجتماعية، بما يضمن ازدهار كل منهما، يشمل ذلك الرجل والمرأة، حيث تنطبق ضوابط العمل عليهم دون تمييز، مع وجود عدد من أخر من القواعد الفقهية المرتبط بتنظيم عمل المرأة.
أحكام وضوابط عمل المرأة في الشريعة الإسلامية
ساوى الإسلام مساواة كاملة بين الرجل والمرأة في ضمان الحق في الحياة وصون النفس الإنسانية، ويتطلب عمل المرأة المتزوجة في المقام الأول إذن الزوج، ذلك كونها الطرف الأول المسؤول عن أداء المهام المنزلية وتولي أعباء التربية الأساسية، بما يحقق الإذن في اللغة بمعنى علم، وهو في المفهوم بمعنى أباح وسمح، وفي الاصطلاح، هو إباحة ما كان ممنوعا من فعل، ويندرج عمل المرأة ضمن فئتين، داخل المنزل أو خارج المنزل.
الآراء الفقهية في عمل المرأة خارج المنزل
يحرم على المرأة كل عمل تستغل فیه أنوثتها وجسدها كالعمل في المقاهي اللیلیة، أو عارضة أزياء، أو العمل بتجارة المخدرات، وكذا كل عمل محرم شرعا أو یساعد على فعل محرم، وكذا كل عمل يتطلب سفرا يحرمه الشرع لحاجتها إلى محرم، لذلك إن كانت المرأة لا تأمن على نفسها من ضرر الآخرين وإيذائهم لها، حسيا أو معنويا، وكان الضرر أعظم من الفوائد العائدة علیها من العمل، فعليها أن تقدم درء المفاسد على جلب المصالح، وتتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
إذا تعارض عمل المرأة مع واجباتها الزوجية، أو واجبات الأمومة، بما يخل بقدرتها على تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، قدمت تلك الواجبات على العمل، حيث أن فقه الأولويات يقتضي تقدیم الحقوق الزوجية، وحقوق الأبناء على غيرها من المباحات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرأة قد تكون عاملة منذ سنوات ولها حقوق تخسرها إذا تركت العمل، ، ففي هذه الحالة ترى القاعدة الفقهية بعدم جواز منع الزوج زوجته من العمل إلا إذا عوضها عن الخسارة التي قد تترتب على تركها للعمل، ما دام متعسفا في منعها.
اشتراط العمل في عقد الزواج
إذا اشترطت الزوجة على زوجها العمل في عقد الزواج فعلى الزوج وجوب الوفاء بالشرط إذا كان مما جاء الشرع بجوازه، أو جرى به العرف الصحیح في البلد الذي یعمل به الزوجان، مع وجوب الالتزام بالضوابط الشرعية الخاصة بتحقيق التوازن بين العمل والأسرة، كذا التزام الضوابط الشرعية ذات الصلة بالعمل “السابق ذكرها”.
الآراء الفقهية في عمل المرأة داخل المنزل

هو كل فعل تقصد به المرأة اكتساب المال وزيادة الدخل، داخل البيت، مثل عملها بالصناعات الخفيفة كالنسيج، وصناعة الأطعمة، أو قيامها بتربية الحيوانات والطيور، بما لا یحتاج منها إلى مغادرة المنزل، حيث اتفق الفقهاء على القول بجواز قيام المرأة بكل عمل يعود عليها بالفائدة بشرط ألا يتعارض مع واجبات الزوجية وبما يمكن من خلاله تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، ولا تجبر على العمل في أي حال غیر حالات الضرورة التي تخشى معها على نفسها من الهلاك.
إذن الزوج في عمل المرأة داخل المنزل
اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولین، القول الأول ويقول به أصحاب المذهب الحنفي والشافعي، جواز عمل المرأة داخل البيت بالتجارة وغيرها مما يشرع، بإذن الزوج وبغير إذنه، خاصة في غياب الرجل المتكرر عن المنزل لدواعي العمل، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان، مع ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية ذات الصلة بعملية التوازن بين العمل والأسرة.
القول الثاني، ويقول به أصحاب المذهب المالكي ونفر من المذهب الحنفي، بحق الزوج في منع زوجته من ممارسة كل عمل “داخل أو خارج المنزل” من شأنه أن ينقص من قدره أو يؤثر سلبا في قدرتها على تلبية حقوقه، واستدلال ذلك، أن المرأة مأمورة بطاعة زوجها ومن طاعتها له أن تأتمر بأمره وتنتهي عما نهاها عنه.
نفقة المرأة العاملة خارج المنزل في الإسلام
النفقة من العوامل الأساسية المرتبطة بتحقيق التوازن بين العمل والأسرة، وهي وجوب إنفاق الزوج على أفراد الأسرة وتأمين كافة احتياجاتهم من ملبس ومأكل ومشرب، وقد سلك الفقهاء مسالك مختلفة في بيان عمل المرأة وحقها للنفقة، أن تخرج المرأة للعمل بموافقة الزوج ففي هذه الحالة ذهب الفقهاء إلى قولين، القول الأول، أن نفقتها تسقط وإن رضي الزوج، وقال به الحنفية في قول ورواية عن الشافعية، القول الثاني، لا يجوز إسقاط النفقة الخاصة بها، حتى إذا كان عملها بإذن من الزوج أو ولي الأمر، وقال به بعض الشافعية والظاهرية.
إذا خرجت المرأة للعمل ولم يأذن لها الزوج بذلك فقد اختلف الفقهاء في نفقتها على قولين، القول الأول: أن نفقة المرأة العاملة لا تسقط وإن لم يأذن لها الزوج وذلك لأنها مشغولة بمصالحها وشؤونها الخاصة، فهي معذورة في نقص التسلیم، قال بهذا الحنفية في قول الظاهرية والحنابلة في رواية.
القول الثاني، إن نفقة المرأة العاملة تسقط إذا خرجت دون رضا الولي أو الزوج، وقال به الحنفية والحنابلة، والشافعية، والمالكية، واستدلال ذلك، أن المرأة الناشز لا نفقة لها، والناشز هي التي تترك بيت الزوجية بغير مسوغ شرعي.
تابع المزيد: فقه الأسرة وأخلاقيات الزواج
نصائح عامة لتحقيق التوازن بين العمل والأسرة

تساهم التكنولوجيا الحديثة في توسيع المدارك الفقيه والإنسانية لطبيعة التغيرات المحيطة وأساليب الاستجابة لها بما يكفل مجموعة من الفرص التي يمكن من خلالها تعظيم النتائج، وبناء عليه يمكن تطبيق عدد من النصائح التي من شأنها تحسين الكيفية العامة للتوازن وذلك من خلال:
- استخدام وسائل التكنولوجيا في تحسين سير العمل.
- التواصل المستمر مع أفراد الأسرة بما يضمن إقرار الاهتمام العاطفي.
- التفاهم المشترك بين رب الأسرة وأفراد الأسرة حول طبيعة التحديات وأسلوب مواجهتها.
- الاعتماد على التخطيط المنسق بين مهام الزوجة والزوجة في تسيير الحياة الزوجية.
يحقق التوازن بين العمل والأسرة جملة من الفوائد التي تنعكس إيجابا على أفراد الأسرة بما يضمن لهم تحقيق الاستقرار والسعادة وتنشئة جيل يتمتع بالصفات النفسية الإيجابية.