موسم الحج من المواسم التي يحلم بها كل مسلم، لذلك من المفيد دراسة شروط وأركان الحج، حتى يتمكن أي مسلم ينعم الله عليه بزيارة بيته العتيق، من أن يكون جاهزاً لأداء المناسك بشكلها الصحيح، دون ارتكاب أي أخطاء قد تضيع عليه ثوابه، وهذا لأن ثواب الحج عظيم للغاية، وقد يصل إلى غفران كل الذنوب، والعودة منه كما ولدتك أمك، وهذا أمل كل مؤمن بالله في كل بقاع الأرض، فكلنا خطايا، وكلنا نسعى إلى التوبة بكل الأشكال، وقد منحنا الله فرصاً لا تحصى للتكفير عن الذنوب ومن أهم تلك الفرص هي فريضة الحج العظيمة، التي تذكرنا بأننا خلقنا للعبادة في المقام الأول.
شروط وأركان الحج
معرفة شروط وأركان الحج واجبة على كل مسلم بالغ عاقل لأن الحج إلى بيت الله تبارك وتعالى من أركان الإسلام التي يهفو فؤاد كل مسلم إلى أدائها ولو لمرة في حياته.
وبما أنها فرصة قد لا تتكرر فمن الواجب على كل مؤمن بالله أن يتفقه في شروط وأركان تلك الشعيرة العظيمة لكي يؤديها حق الأداء، عسى أن تكون المنجية له يوم القيامة، وفيما يلي بيان بشروط وأركان الحج كالتالي:
شروط أداء فريضة الحج
فرض الله تبارك وتعالى الحج على المستطيع من المسلمين، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شروط وأركان الحج، فأما شروط أداء فريضة الحج، فهي شروط إيجاب، أي أن توفرها لدى المسلم يمكنه من أداء فريضة الحج، ومن تلك الشروط التالي:
- مسلم: فلا يجوز الحج من غير المسلم.
- عاقل: لأن العقل مناط التكليف ولأن فاقده لا يكلف، فلا يجوز حج المجنون، لما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رُفِع القلمُ عنْ ثلاثةٍ عنِ الصغيرِ حتى يبلُغَ وعَنِ النائمِ حتى يستيقظَ وعنِ المصابِ حتى يُكشفَ عنهُ) [رواه الألباني]
- بالغ: الحج ليس واجباً على الصبي القاصر، وإذا حج الصبي فيعتبر نفلاً وعليه حج الفريضة إذا بلغ.
- حر: فلا يجوز الحج من العبد المملوك لأنه ليس حرا في تصرفاته.
- مؤنة السفر: وهي الزاد والراحلة، وتعني القدرة المادية على تحمل نفقات الحج.
- أمن الطريق: ألا يوجد ما يهدد أمنه في الطريق.
أقرأ المزيد:دور القرآن والسنة في تحديد أحكام المعاملات
أركان الحج بالترتيب
فإذا توفرت فيه الشروط التي تؤهلك لحج بيت الله الحرام، يجب عليك بعها دراسة أركان الحج، حتى تتمكن من فهم شروط وأركان الحج بشكل كامل، وتكون مستعداً لأداء الفريضة بأمر الله، وتأتي أركان الحج على الترتيب التالي:
- الإحرام: وهو نية الدخول في مناسك الحج، وله ميقات محدد وميعاد محدد في العام، دل عليه قول الله تبارك وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ…} [البقرة – 197].
- وقفة عرفة: أي المبيت على جبل عرفات، ويكون وقته من مغيب شمس اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ويمتد إلى فجر يوم النحر، ويجوز الوقوف في أي مكان على الجبل.
- طواف الإفاضة: وهو الطواف الذي يأتي بعد الوقوف بعرفة، دل عليه قول الله جل وعلا: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج – 29].
- سعي الصفا والمروة: وهو من أركان الحج التي لا يجوز تركها، دل عليه قول ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة – 158].
واجبات الحج
استكمالاً لفهم شروط وأركان الحج، يجب عليك أن تتعرف على واجبات الحج، وهي الطريقة التي يجب بها تنفيذ أركان الحج، منعا للغلط، وللتأكد من أداء الفريضة كما ينبغي، ومن واجبات الحج ما يلي:
الإحرام من الميقات
الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً حسب البلد التي جاء منها الحاج، وقد وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:
(وَقَّتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِ أهْلِهِنَّ لِمَن كانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فمَن كانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِن أهْلِهِ، وكَذاكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها) [رواه البخاري].
الغروب على عرفة
يجب على الحاج أن يبيت بعرفة حتى غروب الشمس إذا كان وقوفه عليه بدأ في النهار، وهذا لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقف حتى الغروب.
المبيت في مزدلفة
يجب على من وقف بعرفة أن يبيت بمزدلفة حتى يوم النحر، وهو واجب عند جمهور الفقهاء وذلك لأن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نذكره عند المشعر الحرام، ويجوز للضعفاء من النساء والأطفال أن يسبقوا إلى منى لرمي الجمرات في آخر الليل قبل زحام الناس.
المبيت بمنى
يبيت الحجاج بمنى حتى تنقضي ليالي أيام التشريق، لأن ذلك يوافق فعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
رمي الجمرات
فيرمي الحاج جمرة العقبة يوم العيد، ثم يرمي الثلاث جمرات في أيام التشريق، اقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الحلق والتقصير
بعد رمي الجمرات يجوز للحاج أن يحلق أو يأخذ من شعره، وقد دعا النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة.
طواف الوداع
بعدها يذهب الحاج إلى الكعبة لأداء طواف الوداع لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم قد أمر به في الحديث الشريف: {عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: كانَ النَّاسُ ينصرِفونَ في كلِّ وجهٍ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: لا ينفِرنَّ أحدٌ حتَّى يَكونَ آخرُ عَهْدِهِ الطَّوافَ بالبيتِ} [رواه الألباني].
أقرأ المزيد: الشروط الفقهية للعبادات
سنن الحج
بهذا القدر من الفهم، تكون قد أدركت شروط وأركان الحج وواجباته، ولم يبقى لك إلا السنن، التي نستقيها من النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونقتدي به فيها، ومن أهم سنن الحج التالي:
- يستحب المبيت بمنى من اليوم الثامن من شهر ذي الحجة.
- كما يسن أن يطوف القادم للحج بالكعبة طواف القدوم.
- ويسن أن يسرع الخطى في الثلاثة أشواط الأولى من طواف القدوم ويمشي مشياً عادياً باقي الأشواط.
- ومن السنة أن يغتسل المحرم قبل إحرامه ويرتدي إزاراً ورداءً أبيضين غير مخيطين ويجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه فوق كتفه الأيسر.
- أما أشهر السنن فهي التلبية من حين الإحرام إلى رمي جمرة العقبة، ونص التلبية كالتلي: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (أنَّ تَلْبِيَةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ.) [رواه البخاري].
- ومن السنن استلام الحجر الأسعد وتقبيله.
إن تعلم شروط وأركان الحج له عظيم الأثر على وعي الإنسان المسلم، حيث أنه يساعده على فهم الطريقة الصحيحة التي يجب أن يعبد الله بها، واستكمالاً لما ذكرنا من سنن الحج، فإن من أعظم السنن ذكر الله تبارك وتعالى طوال فترة الحج حتى طواف الوداع.
