إن دراسة فقه النكاح والعلاقات الأسرية أمر في غاية الأهمية، حيث إن الكثير من المسلمين يقع في بعض الأخطاء الغير محمودة بسبب الجهل بهذا الباب المهم من أبواب الفقه، كونه مسؤولاً عن أهم لبنة تكون المجتمعات والحضارات وهي الأسرة التي أمرنا الله تبارك وتعالى أن نتقيه فيها ونحافظ على تماسكها ونحرص على نموها وتطورها وحمايتها من كل الشرور، وعليه فيجب أن يحرص كل رجل وامراة على فهم تفاصيل فقه الزواج من الواجبات والحقوق التي يجب أن يوفيها كل طرف تجاه الآخر، وهذا لضمان حياة رغيدة لا يعكر صفوها أي مشكلة لم يحسب لها حساب.
فقه النكاح والعلاقات الأسرية
الزواج من السنن التي خلقها الله تبارك وتعالى في الأرض وجعلها سببًا لاستمرار نسل الإنسان وتطوره، ولذلك من المهم لكل مسلم دراسة وفهم فقه النكاح والعلاقات الأسرية، حتى تكون زيجته ناجحة وحتى يرضى الله عز وجل عنه، ويعرف الفقهاء النكاح في اللغة على أنه الضم والجمع، وفي الاصطلاح عقد يبيح استمتاع الرجل بالمرأة إن لم يمنعه منها مانع شرعي.
والأصل في حكم النجاح بإجماع الفقهاء أنه مستحب، والدليل على استحبابه ما جاء في قول الله تبارك وتعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء – 3]، ووجه الاستحباب في الآية أنه رهن النكاح بطيب النفس، فإن كان فرضًا لما علقه على طيب النفس وولزم في كل حال.
اقرأ أيضًا: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
أركان النكاح في الإسلام
اختلف علماء فقه النكاح والعلاقات الأسرية كثيرًا حول تعيين أركان عقد الزواج، فمنهم من أوقفها على الزوج والزوجة فقط ومنهم من أوقفها على الإيجاب والقبول فقط، ومنهم من قال بأنها ثلاثة أركان ومنهم من قال خمسة، لكن اصطلاح الفقهاء قام حول خمسة أركان هم كالتالي:
- ولي الزوجة: وهو المسؤول عن تزويجها من أهلها سواء كان أباها أو أخاها أو ابنها.
- الزوج: وهو المتقدم للزواج من الزوجة والمنوط بتقديم الصداق لها.
- الصداق: والمقصود المهر الذي يقدمه الزوج للزوجة ويكون قد اتفق عليه مع وليها.
- المحل: يقصد بالمحل الزوجات او الزوجة وحدها إذا تعين الزوج كرن منفصل.
- الصيغة: وهي الإيجاب والقبول أي موافقة الزوجة على عرض الزوج ورضاها به.
شروط النكاح في الإسلام
شروط الزواج يعتبر من أهم مباحث فقه النكاح والعلاقات الأسرية، ذلك لأنها تؤثر بشكل كبير في صحة العقد، وتؤدي إلى حل نزاعات كثيرة قبل أن تتأجج، ومن أهم الشروط التي نبه عليها الفقهاء التالي:
- أول وأهم شرط هو تعيين الزوجين الرجل والمرأة ولا يجوز أي زواج بأي شكل آخر.
- الشرط الثاني رضا الزوجين فلا يجوز تزويج إنسان بالغ بدون رضاه لأن هذا يؤثر في صحة العقد.
- ثالث الشروط هو الولاية للمرأة في النكاح فلا يجوز لها تزويج نفسها، بل لا بد لها من ولي يزوجها لقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء – 25].
أحكام الولي في فقه النكاح والعلاقات الأسرية
كما ذكرنا فمن أهم شروط الزواج في فقه النكاح والعلاقات الأسرية ألا تتزوج المرأة إلا بولي، ولكن كيف يتم اختيار هذا الولي وما هي سلطته على المرأة في مسألة الزواج؟ هذا ما وضحه لنا الفقهاء كالتالي:
تعريف وحكم الولي في الإسلام
الولي في اصطلاح أهل اللغة هو القريب، أما في اصطلاح الفقهاء فيعرفونه على أنه من له ولاية التصرف في المال والنفس جميعَا.
وأما حكم الولي عند جمهور الفقهاء فقد أقروا بعدم جواز زواج المرأة بدون ولي، واعتبروا عقد النكاح التي تزوج فيه المرأة نفسها باطلاً، واستدلوا بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ) [أخرجه أبو داود]
اقرأ أيضًا: دور فقه الأسرة في بناء مجتمع مسلم سليم
شروط ولي النكاح في الإسلام
حدد الفقهاء أهلية ولي المرأة في تزويجها على ثمانية شروط، تضمن قدرة هذا الولي على اختيار الزوج المناسب، وعدم التعنت مع المرأة، أو حرمانها من الزواج، وتلك الشروط كالتالي:
- اتفق الفقهاء على أن العقل والتمييز شرط أساسي في عقد الزواج، ولا تزول ولاية من به جنون مؤقت بل يعقد النكاح وقت إفاقته من جنونه.
- لا بد أن يكون ولي المرأة بالغاً فلا تجوز ولاية الصبي القاصر.
- يجب أن يكون ولي المرأة حرا لا عبداً لكي يملك قراره.
- لم يشترط الفقهاء في الولي العدالة فتجوز ولاية الفاسق.
- كما اشترطوا في ولي المرأة أن يكون راشداً فلا تصح ولاية السفيه.
- ومن شروط الولي أن يكون ذكراً فلا تجوز ولاية المرأة للمرأة في النكاح.
- واشترطوا اتفاق الدين فلا يجوز أن يكون الولي من غير المسلمين.
- وآخر الشروط أن يكون حلالاً من الإحرام فلا يزوجها وهو محرم.
ترتيب الولاية في النكاح
بعد أن حدد الفقهاء شروط الولي في فقه النكاح والعلاقات الأسرية، رتبوا أهلية الولاية من الأولى بالمرأة والأقرب صلة بها إلى الأبعد وهم كالتالي:
- ولاية المرأة تبدأ أقربائها الذكور وأولهم الأب، فإن لم يوجد فالعم، وإن لم يوجد فالأخ وإن لم يوجد فالابن إن وجد وهكذا.
- إن لم يوجد ولي للمرأة من عصبها، فوليها يكون من أعتقها من الرق ويسمى ولي الولاء، وهذا الصنف غير موجود هذه الأيام بعد إنقضاء العبودية.
- فإن لم تجد المرأة من يزوجها م أهلها فعليها أن تلجأ لحاكم البلاد أو للقضاء في حالة الإنابة عن الحاكم.
- في حالة كانت المرأة في بلاد غير مسلمة ولم تجد لها ولياً يزوجها من أهلها، فلها أن تبحث عن المراكز الإسلامية في البلد الذي تقيم فيه يقوم المسؤول عن المركز مقام وليها في تزويجها.
عضل الولي للمرأة
اتفق جمهور الفقهاء على حرمة عضل الولي للمرأة، أي حرمانها من الزواج واستغلال ولايته عليها، وإذا فعل فلها أن ترفع أمرها للحاكم أو للقضاء ليزوجها بنفسه، وذلك مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة – 232].
اقرأ أيضًا: منهجية الاجتهاد في فقه الأسرة بين التيسير والتشدد
سنن النكاح في الإسلام
إن تطبيق أحكام فقه النكاح والعلاقات الأسرية يضمن نجاح العلاقات الأسرية واستقرارها، وهذا ليس عن طريق الالتزام بالأحكام والشروط فقط، بل من المهم أيضاً الإقتداء بسنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الزواج ومنها الآتي:
- من السنن المهجورة في الزواج تخفيف المهور وعدم المبالغة في متطلبات المعيشة، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن يُمنِ المرأةِ تَيسيرَ خِطبتِها، وتَيسيرَ صَداقِها، وتَيسيرَ رَحِمِها) [أخرجه أحمد].
- ومن السنن هي الخطبة قبل عقد النكاح أي أن يخطب المأذون خطبة قبل أن يعقد الزواج، يعظ فيها الزوجان وينصحهم.
- ومن السنة الدعاء للزوجين وقد علمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم صيغة دعاء الزواج كالتالي: (…بارك اللهُ لك، وبارك عليك، وجمَعَ بينكما في خَيرٍ) [أخرجه أبو داود].
- ومن أشهر السنن الدعاء قبل إتيان الزوجة بالدعاء الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوَّج أحَدُكم امرأةً أو اشترى خادِمًا، فلْيَقُل: اللهُمَّ إنِّي أسألُك خَيرَها وخَيرَ ما جبَلْتَها عليه، وأعوذُ بك مِن شَرِّها ومِن شَرِّ ما جبَلْتَها عليه، وإذا اشتَرى بعيرًا فليأخُذْ بذِروةِ سَنامِه، وليَقُلْ مِثلَ ذلك) [أخرجه أبو داود].
أحكام فقه النكاح والعلاقات الأسرية منوطة بضبط وتوجيه المسلمين إلى كيفية الحفاظ على عائلاتهم، وكيفية اختيار أزواج بناتهم وتعينهم على فهم حقوقهم وواجباتهم، وهو نوع من الوعي الأسري ينقص الكثير من المسلمين هذه الأيام مع زيادة معدلات الطلاق التي صارت مفزعة للآذان وهذا يظهر أهمية هذا الباب من أبواب الفقه هذه الأيام.