باب فقه الصيام والمفطرات قائم على الاجتهاد في تعريف وتحقيق ركن من أركان الإسلام الخمسة وتبيان أسلوب كماله بما يعود على العبد بأعلى درجات الثواب وبينما تخضع العبادات بدرجات من الثواب معروفة المقدار فإن الله اختص ثواب الصيام لنفسه وذلك قول “كل عمل ابن أدم له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به” ويوضح ذلك، جلل العمل وصدى إتقانه في ربط العبد بالله سبحانه وتعالى وقد اجتهد الفقهاء في وضع الشروط وتبيين الحلال والحرام والمستحب والمكروه لإضاءة سبيل المسلم بأفضل ما يمكن القيام به.
تعاريف حول فقه الصيام والمفطرات
الصيام في اللغة آتية من المصدر الثلاثي “صوم” وهو عند العرب في المعنى، إمساك وركود، ومعنى الصوم عن شيء هو الإمساك عنه وتركه، والصائم إذ هم الممسك عن الفعل والتارك له، وفي الفقه، يشير إلى الممسك عن الطعام والشراب.
يقول البيضاوي، الصوم في اللغة، الإمساك عما تنزع إليه النفس، ويقول المالكية، الصوم هو الإمساك عن شهوتي الفم والفرج وما يقوم مقامهما ومخالفة الهوى في طاعة المولى في جميع أجزاء النهار وبنية ما قبل الفجر أو معه إن أمكن.
وتعريف الصوم عند الشافعية هو إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص، بينما بقول الحنابلة فيه، هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وذهب أصحاب المذهب الحنفي إلى قول، الصوم هو إمساك عن أشياء مخصوصة بشرائط مخصوصة.
والصوم أنواع:
- صوم واجب وشرعا وهو صيام شهر رمضان.
- صوم مسنون من باب النوافل كصيام يوم عرفة وصيام تاسوعاء وعاشوراء وصيام الإثنين والخميس
- الصوم الحرام ” نهى عنه الرسول” كصيام يومي عيد الأضحى والفطر، وصيام أيام التشريق.
اقرأ أيضًا: أحكام الطهارة في فقه الشافعية
تعريف مفطرات الصيام
المفطرات فقه الصيام والمفطرات، هي المفسدات، وهم في الإجماع أربعة مفسدات:
- الأكل
- الشراب.
- الجماع.
- دم الحيض والنفاس.
والمفطرات كفارتها واجبه بحال الصيام وحال جنس الصائم، فمن أتى المفطرات في صيام الواجب فعليه كفارة، ومن أتى المفطرات في صيام المسنون فلا كفارة عليه.
أجمع العلماء على أن الطعام والشراب والجِماع من المفطِّرات، واختلفوا في:
- ما يرِد الجوف مما ليس بِمغذ كالحصى مثلا.
- ما يرِد من غير منفذ الطعام والشراب، سواء أكان مغذيا أم لا، كالحقن
- ما يرِد الدماغ ولا يرد المعدة.
يقول المذهب الحنفي في فقه الصيام والمفطرات، المفطرات ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الأصلية، كالأنف والأذن والدبرِ، بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ، بينما يعرف المذهب المالكي المفطرات، أنها كل ما وصل إلى المعدة من منفذ متسع عال عنها كالحلق والأنف والعين والأُذن، ولو كان مما لا يقع التغذي به كالدرهم والحصاة خلافا لبعضهم، وأما ما وصل إلى المعدة من منفذ سافل عنها كالدبر وفرجِ المرأة فلا يفطر.
اقرأ أيضًا: أحكام الوصية في الفقه الإسلامي
المذهب الشافعي والحنبلي في فقه المفطرات
حاصل مذهبِ الشافعية في فقه الصيام والمفطرات، أنه كل ما وصل إلى الجوف من منفذ مفتوح، كالأنف والأذن (لا العين)، ومداواة الجائفة والمأمومة، والجرح بآلة تصل إلى البطن، والجوف يشمل عندهم،البطن والأمعاء، والمثانة، والدماغ، والحلق.
حاصل مذهب الحنابلة في المفطر، أنه كل ما أدخله إلى جوفه (معدته) أو مجوف في جسده، كدماغه وحلقه مما يصل إلى معدته، سواء أوصل عن
طريق الأنف أو العين أو الأذن أو الدبر أم بِداواة الجائفة أو المأمومة أم الجرح بآلة وصلت إلى معدته.
شروط وأحكام الصيام
يبدأ الصيام من قبل الفجر وحتى أذان المغرب واستند جمهور الفقهاء إلى شروط أساسية ضابطه لصحة الصيام، منها:
- التكليف والبلوغ.
- الطهارة.
- استحضار النية.
- تبين الوقت.
الصوم تكليف على البالغ فلا صوم أو تكليف لغير البالغ، وقد ذهب الفقهاء إلى جواز صيام الصبية دون سن البلوغ من باب التحبيب والترغيب والتدريب وان لا حرج أو كفارة إذا أفطر، واستدل ذلك من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “رفع القلم عن الصبي حتى يشب”
طهارة البدن وطهارة المرأة من دم الحيض والنفاس هي أحد شروط الصيام، حيث لا يوجب الشرع الصيام على الحائض حتى تغتسل، وذلك من باب الرحمة والتوسعة، كما يمكن الاطلاع على موقع أراء فقهية لتبين شروط وأحكام الصيام.
أنواع المفطرات المعاصرة وأحكامها
المعاصرة في فقه الصيام والمفطرات، هي كلمة تشير إلى زمن أو دهو ويقصد بها أنواع المفطرات المقاسة على آيات القرآن الكريم والسنة النبوية وأحاديثها ومذاهب الفقهاء وهم تسعة أبواب أساسية، منها:
- التدخين.
- أجهزة التنفس الطبي والربو.
- قطرة الأنف والعين والأذن.
- الحقن
التدخين وإفساد الصيام
ذهب عامة علماء فقه الصيام والمفطرات من الحنفية والمالكية والشافعية في المعتمد والحنابلة إلى أن شرب الدخان مفطر، لأن له عينا تصل إلى الحلق والجوف من المعدة أو الدماغ، وذكر الحنابلة، أن من ابتلع الدخان قصدا فسد صومه، كما ذكر الحنفيةُ أن” من تبخر بالدواء فوجد طعم الدخَان في حلقه، يقضي الصوم “أي يفسد”.
بخَاخ ضيق النفس
هو عبوة مضغوطة تحتوي على ثلاثة أشياء:
- الماء.
- غاز الأكسجين.
- المواد العلاجية.
النسبة الكبرى فيها للماء، والباقي للأكسجين والمواد العلاجية، واختلفت أقوال العلماء المعاصرين في حكمه، القول الأول، أنه مفطر ودليل هذا القول، أنه يوجد في هذا البخاخ دواء سائل يستنشقه الشخص من طريق فمه ويصل إلى المعدة بيقين، كما يؤكد عدد من الأطباء والصيادلة.
القول الثاني، أنه ليس بمفطر، واستدلوا، بأن هذا البخاخ ليس بأكل ولا شرب ولا هو في معناه، لأنه إنما هو غاز يتبخر ويزول، وهو يفتح مسام الشرايين حتى يتنفس الشخص بسهولة، ولا يصل منه جرم إلى المعدة وإنما يصل إلى القصبات الهوائية، ولو وصل شيء منه إلى المعدة فهو شيء يسير لا يفطر؛ قياسا على المتحلل من السواك، وعلى ما يتسرب إلى جوفه من أثر المضمضة والاستنشاق.
اقرأ أيضًا: هل صيام عرفة مسنون للحاج وغيره
قطرة الأنف والعين والأذن
اتفق عامة علماء فقه الصيام والمفطرات،على أن ما وصل عن طريق الأنف إلى الحلق؛ فهو مفطر، سواء أكان غذاء، أم دواء كالسعوط “مسحوق عشبي في البيئات الصحراوية”، لأن المنفذ متسع (مفتوح)، إلا أن ابن حزم الظاهري ذكر أنه لا يفطر استنشاق، ولو بالغ فيه فوصل إلى الحلق، ويقول الترمذي “قد كره أهل العلم السعوط للصائم، ورأوا أن ذلك يفطر”، وعلى هذا فيمكن أن يقال، إذا قطر الصائم في أنفه دواء دون مبالغة فيه فإنه لا يضره ولا يفطر به، وأما إن بالغ فوصل شيء إلى حلقه فإنه يفطر بذلك.
ولأن العين ليست بِمنفذ إلى الحلق فإن إسقاط مقطر بها لا يبطل الصيام، وإن وجد الصائم منها شئ في حلقة، فاعتدال وإمساك دون مبالغة، قطرة أو قطرتين، لا تفسد الصيام.
ما وصل عن طريق الأذن، وفيه ثلاثة أقوال:
- القول الأول أنه يفطر وهو قول المالكية والشافعية في الأصح والحنابلة.
- القول الثاني أنه لا يفطر إلا أن يصل الحلق، وهو قول الحسنِ بنِ صالح والظاهرية ووجه للشافعية.
- القول الثالث أنه لا يفطر وإن وصل إلى الحلق، وهو قول ابن حزم الظاهري.
يتطلب فقه الصيام والمفطرات دراسة متأنية للمعاني اللغوية وفهم المقصود من الآيات والأحاديث لتطبيق قياس صحيح يساهم في التوسع على المسلم وإقامة الدين الحنيف وفق الأوامر والنواهي التي أمرنا بها الله سبحانه وتعالى.