الحضانة في الإسلام مجال بحث تتعدد فيه الآراء الفقهية من حيث التعريف والشروط وأسباب سقوطها عن المستحق لها ويهدف هذا الباب الى توفير الرعاية المناسبة للصغار فيما عجز التوافق عليه الزوجان بغية تحقيق نشء سليم العلة مستقر الجوانب ما يضمن مجتمع متكامل الحقوق راسخ الثوابت وقد عكف الفقهاء على تبيين حقوق الطفل في أبواب متفردة من مذاهب التشريع حرصا على توفير السبل المناسبة التي يمكن من خلالها صيانة ما أقره الله عز وجل وأوجبه الرسول عليه الصلاة والسلام من استحقاقات على أولياء الأمر وتهيئة حياة سوية للطفل.
تعريف الحضانة في الإسلام
اللغة أم المعرفة وناصية المعاني، والحضانة آتية من من مصدر الفعل “حضن” وهو عند العرب في المعنى “حفظ الشئ وصيانته”، وقصد الشيء باللفظ، حفظ الطفل وصيانته.
يشير المذهب الحنفي إلى التعريف بأنه، حضانة الأم ولدها واعتزالها إياه من أبيه، ليكون عندها فتقوم بحفظه، وإمساكه، وغسل ثيابه، ورغم إختصاص التعريف في البداية في الأم، إلا أنه قد بين حق الحضانة لمن كفل للطفل هذه الحقوق، من أب أو أم أو سواهما.
عند المذهب المالكي يشير التعريف بأنه، حفظ الولد في مبيته، ومؤنة “طعامه ولباسه”، ومضجعه، وتنظيف جسده، وذهابه ومجيئه، وقد أشار التعريف هنا إلى، حق الطفل في التوسعة والإختلاط بالبيئة مع مد واجب الحضانه بالحماية أثناء ذلك.
في المذهب الشافعي يعرف الإمام النووي الحضانة بأنها، القيام بحق من لا يميز، ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه، وقد استمد الفقهاء من التعريف عدم قصر الحضانة علن السن والعمر وأن الحالة العقلية موجبة لشروط الحضن ما دام الولد غير قادر على عناية نفسه.
في المذهب الحنبلي يأتي التعريف بقول، الحضانة هي حفظ من لا يستقل بأمره وتربيته حتى تمام ذلك، ويأتي الإمام الفتوحي بقول، حفظ الصغير والمعتوه والمجنون عما يضرهم وتربيتهم بما يوافق مصالحهم.
اقرأ أيضًا: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
المقصود من التعريف
المقصود من تعريف الحضانة في الإسلام شمل حفظ بدن الطفل ومصالحه وضمان احتياجاته الضرورية والتربوية، بما يضمن تأهيله حتى يدرك تمام الاستقلال بنفسه، ويعكف القائم على ذلك، تأدية ما يقتضى الطفل رعاية وتلبية ما يحتاج من المال والوسائل، مع ضمان حقه في ممارسة ما توجبه الحياة من حقوق” التعليم وحماية القاصر” وما أراد من أنشطة “ممارسة الرياضات والتنزه”.
مدت المذاهب الفقهية التعاريف لتشمل، حقوق أصحاب الهمم في الحضانة، إذ أوجبت القائم عليها بنفس الحقوق المكفولة للطفل، ما دام غير قادر على قيام نفسه وعنايتها.
شروط الحضانة في الإسلام
ذكر العلماء شروط للحاضن منها ما هو عام ومنها ماهو خاص، مع اتفاق المذاهب في بعض الشروط واختلافهم في البعض الآخر، ومن الشروط العامة:
- دين الحاضن، إذ اشترط الشافعية والحنابلة والحنفية وبعض فقهاء المالكية، وجوب إسلام الحاضن الذكر، إذ عدت المذاهب الحضانة شكل من أشكال الولاية، وأن لا ولاية تحق لغير المسلم في تربية المسلم، بينما أشار المذهب الحنفي والمشهور عن مذهب المالكية بجواز حضانة الأنثى الغير مسلمة حتى ظهور ولى أمر مسلم يتولى أمره.
- التكليف “البلوغ والعقل”، إذ لا حضانة لمن فقد الأهلية.
- القدرة على الحضانة بنفسه، فلا حضانة لعاجز أو كبير سن أو صاحب عاهة، إلا إذا، كان لديهم من يقوم بشؤون المحضون.
- الأمانة، والقصد منها أداء الحقوق كاملا، ولا يتصف بها إلا من كان عدلا أو سلم ظاهر الفسق، أما من اشتهر بالفسق “الزنا وشرب الخمر ولعب القمار” فلا حضانة له.
- ألا يكون يكون بالحاضن مرض يصيب المحضون بالعدوى.
- ان يكون الحاضن رشيد العقل حسن التصرف.
اقرأ أيضًا: دور فقه الأسرة في بناء مجتمع مسلم سليم
الشروط الخاصة في حضانة الطفل
هي شروط خاصة بأحد الجنسين وهو موضوعة للحفاظ على حرمات الطفل وحقوقه وهي:
- أن يكون الحاضن الذكر محرما للمحضونة الأنثى.
- ألا تكون الحاضنة متزوجة من أجنبي عن المحضون، إذ تكون مشغولة بحق الزوج.
- اشترط الحنفية والمالكية في المرأة الحاضنة أن تكون ذات رحم من المحضون، كأمه وأخته، ولا حضانة عندهم لبنت العم والعمة والخال والخالة.
- اشترط الحنفية والمشهور عند المالكية ألا تقيم الحاضنة في بيت يبغض المحضون.
تعد الشروط السابقة اجتهادية، ولم يرد بها نص، وهو تحل محل المعقول والمستحسن، وللقاضي الحق في إقرار الوصاية وفق ما تقتضيه مصلحة الطفل ونتيجة الأحوال المحيطة بالطفل، ويتضمن موقع أراء فقهية عرض ما فندته المذاهب من اشتراطات في باب الحضانة في الإسلام.
أسباب سقوط الحضانة في الإسلام
تسقط الحضانة بعدد من الأمور:
- سفر الحاضن من بلده الذي ثبتت له فيه الحضانة إلى بلـد آخـر بعيـد عنـه، سفر انتقال، بحيث يتخذه مقرا وسكنا له، وقال المالكية والشافعية والحنابلة بذلك، لأنـه يضر بحق الطرف الآخر(الأب أو الأم)، ويحرمه رؤية المحضون، والإطمئنان عـلى سلامة أموره.
- زواج المرأة الحاضنة، لقوله عليه الصـلاة والسـلام، في حـديث عمـرو بـن شعيب للمـرأة التـي جاءت تشكو إليه صنيع أبي ولدها الذي طلقها، وأراد أخذ ابنها، «أنت أحق به مالم تنكحي»، لأنها ستكون مشغولة بحق زوجها، وهذا الأمر، لا يلزم أن يكون مسقطا في كل الأحوال، لإمكان بقاء الحضانة للأم معه، بدلالة القرآن وحصوله في عهد النبوة.
- فقدان شرط أو أكثر من شروط الحضانة في الإسلام المقدمة مثل ارتداد الحاضن، أو جنونه، أو مرضه، أو عجزه عن القيام بحق الحضانة ونحو ذلك، لأن فقـدان شيء من ذلك يلحق الضرر بالمحضون.
الأفراد الأحق بالحضانة
الحضانة في الإسلام واجبة شرعا، لأن تركها يؤدي إلى ضياع المحضون, و يعرضه للهلاك، وقد وقع الاتفاق بين أهل العلم على أن، حق الحضانة للأم ما لم يوجـد مانع مـن ذلك، ويقدم جانب النساء في الجملة في باب الحضانة على الرجال، لأنهم مظنة الشفقة، والعطف على المحضون أكثر من الرجال، ويتضح هذا مـن خـلال عـرض ترتيـب المستحقين للحضانة في مذاهب الفقهاء على النحو المبين.
ذهب الحنفية إلى أن الأحق بالحضانة الأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثـم الأخوات, وتقدم الشقيقة على غيرها, ثـم الأخـت من الأم، لأنهـا أقـرب للأم، ثم الأخت من الأب, ثم الخالات ثم العمات، فإذا لم يكن للمحضون امرأة تصلح للحضانة ممن تقدم، فإن الحضانة تنتقل، إلى الرجال وأولاهم به الأب، ثم الجد، ثم الأخ باعتبار قرب الدم.
ذهب المالكية إلى أن الأحق بالحضانة، الأم، ثم أم الأم وإن علت، ثـم الخالة، ثم خالة الأم، ثم عمة الأم، ثم الجدة من الأب، ثم أخـت المحضون، ثم عمة الأب، ثم خالة الأب، ثم بنت أخ المحضون، ثم بنت أخته، ثم الوصي.
اقرأ أيضًا: الطلاق في الفقه الإسلامي
المستحقون للحضانة في المذهب الشافعي والحنبلي
ذهب الشافعية في الجديد عندهم إلى أن الأم هي الأحق بالحضانة، ثم أمهات الأم الوارثات، إذا كان الحواضن إناث، ممن يصلح للحضانة، ثـم أم أبي الأب, ثم أم أبي الجد, ثم الأخوات ثم الخالات، ثم تثبت الحاضنين الذكور مـن ذوي المحرم إذاكانوا وارثين عـلى ترتيب الإرث.
ذهب الحنابلة في المشهور من المذهب إلى أن الأحق هي الأم ثم أمهاتها، القربى فالقربى, ثم الأب ثم أمهات الأب، ثم الجد، ثم أمهات الجد، ثم الأخت، ثم الخالة، ثم العمة، ثم بنات إخوته، ثم بنات إخوانه، وتقدم الأقوي في القرابة، ثم أقرب الموصيات.
الحضانة في الإسلام تفرض مسؤولية ضخمة على حاملها فهي تفرض عليه مهمة تربية الطفل تربية سوية صحيحة مكتملة، وفي سبيل ذلك اجتهد الفقهاء في وضع الشروط المناسب لحفظ الحقوق وتأدية الواجبات المنصوص عليها في القرآن والمبلغة من عهد النبوة.